قراءة في حراك “طالعات” / رانيا لصوي
في مجتمع يخشى الحرية ويخاف المرأة الحرّة أكثر من خوفه من الاستغلال والاحتلال بكافة أشكاله، وفي بقعه جغرافية محتلة تُعتبر القضية العروبية الأولى للأمة ظهر حراك “طالعات” يحمل فلسفة الأمان في بيت الأسرة أولا ليصب أخيرا صرخة بوجه الاحتلال.
“لا وجود لوطن حرَ إلا بنساء حرّه” شعار حراك طالعات من قلب فلسطين المحتلة، مخاطبا الشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية، وفي الشتات أينما وجد… جرس يقرع الخزان بوجه الاحتلال الذي لا يفرق بين مناضل ومناضلة من أبناء شعبنا، وبوجه ثقافة المجتمع الذكورية التي تبيح العنف ضد المرأة وتفزع قليلا اذا وصل حد القتل.
مفهوم الحراك المطلبي لقضية محدودة في ظل تشرذم القوى الوطنية وفقدانها المشروع التحرري الجامع هو سمة المجتمع اليوم، وهذا لا يعيب الحراكات المطلبية في قضية محددة، بل هو ضرورة لتحقيق التراكم المطلوب للخروج من عنق الزجاجة الخانق، ولاشك بأن قضايا المرأة اليوم التي لم تعد تحتمل التأجيل هي لبنة اساسية تطفو على السطح كضرورة ملّحة للعمل عليها، فضحايا العنف من النساء هم قصص لا أرقام نطوي عليها بنود الاحصاءات ونمر.
أهمية حراك “طالعات” بكسر حاجز الخوف والنقاش في الغرف المغلقة الى الحيز العام لخلق حالة من التضامن الاجتماعي في ظل شرذمة فرضها الاحتلال الصهيوني وتشويه قائم للمجتمعات مبني على الذكورية المطلقة.
لا يكفينا النجاة من القتل، بدنا حياة بأمان وكرامة، هذا المطلب لحراك “طالعات” يسلط الضوء على حجم الخوف الساكن فينا، فالعنف ضد المرأة ليس قضية حقوقية او جزائية بل قضية اجتماعية تبحث في ذكورية المجتمع وتحرر المرأة القضية التي يجب أن تكون في قلب التحرر الوطني لذا نجد أن هذا الحراك الذي رفع صور واسماء الشهيدات والأسيرات كما المعنفّات اجتماعيا بوجه الاحتلال الذي اصطدم معه ايضا كما المجتمع ورفض حراكه لأنه يخشاه. “الشخصي هو السياسي” وما يبدأ بقضية مطلبية ينتهي بحراك وطن وهذا المطلوب أن يُبنى ويراكم عليه.
التفاف بعض بقع الشتات الفلسطيني والاستجابة لحراك “طالعات” بإمكانيات متواضعة أيضا هو مؤشر ايجابي لوعي أهمية ايقاف العنف ضد المرأة، وتفاعل مهم يؤشر لمركزية القضية الفلسطينية، حيث لم يغيب دور الاحتلال الصهيوني عن شعارات ومطالب “طالعات” وهذا يعطي بعدا هاما له. استغلال المرأة والتعسف ضدها هو ترسيخ صارخ للاحتلال في فلسطين و الاستغلال بكافة في الوطن العربي وردّ الفعل السلبي الرافض لهذا الحراك والتعليقات المسيئة له مؤشر لحالة من الضياع والتيه الذي وصلت إليه الشعوب العربية تؤكد خطورة ما وصلنا اليه من ترسبات غياب الفعل المقاوم وانتشار الفكر المتطرف.
إذا ما قرأنا حالة العنف المجتمعي ضد المرأة و تفاوت التضامن الشعبي مع الأسرى عنه كما هو مع الأسيرات الذين يخصن نفس النضال بوجه الاحتلال، و القتل العمد للشهيدات على الحواجز كما الشهداء، إلقاء سكين أمام جثمان شهيدة قادمة هو كما تهمة جريمة الشرف أمام ضحية معنفّة. إذا التقطنا هذه المفارقة لمسنا خطورة التشرذم الذي يستغله الاحتلال الصهيوني لتفتيت بنيان المجتمع وقواه الوطنية ونلمس ضرورة دهم هذا الحراك واتساعه فكريا وجغرافيا وضرورة دعمه من كافة القوى الوطنية التقدمية.
فمن ينادي بالحرية والعدالة الاجتماعية عليه التقاط هذا الحراك وتشكيل رافعه له أينما وجد وهذا الدور على طاولة الاحزاب اليسارية والتقدمية لتكن صرخة المرأة جزء من ثورة.