مقالات

قراءة في المشهَد: عن جريمة إغتيال الشهيد قاسم سليماني ورفاقهُ وسيناريو المواجهة القادم.

لم يَكُ هذا الرد إلّا رَدًا اوليًا، هو رد استعراضي حتى لو وقع فيه عشرات القتلى والجرحى، استعراضي بالمفهوم الإيجابي، والرد الحقيقي سيأتي تباعا وعلى مدار سنوات، هذا غير العمليات النوعية التي ستُنفّذ ضد أهداف أمريكية ومحورها الآسن وقد لا تعلن إيران ومن معها من محور المقاومة المسؤولية عن تنفيذها.
فلا يُعقل أن يكون الرد على جريمة بهذا الحجم بعدة صواريخ فقط على موقع للجيش الامركي، ومع أهمية ما حصل، فلأوّل مرة يتم قصف قاعدة عسكرية أمريكية منذ الحرب العالمية الثانية (بيرل هاربر) ومن جهة رسمية، دولة ذات سيادة تعلن المسؤولية عن ذلك القصف ولا يتم الرد، المباشر على الأقل، وتقوم الآداب و الأمريكية من خلال رسائل غير مباشرة عبر وسطاء وأيضا بتصريحات وتلميحات مباشرة لإحتواء “الحدث” وتجاوزَهُ لِصالح ضمان استمرار عربدة الكاوبوي الأمريكي في المنطقة حفاظًا بلا شك على المصالح الآقتصادية وليس على أرواح البشر، لا عسكريين ولا مدنيين، فالقيمة العُليا لدى الإمبريالية وقوى الإستعمار هي الربح وليس الإنسان، ولم تتوانى أمريكا يومًا وعلى شاكلتها كل القوى الإستعمارية، أن تزج شعوبها وجنودها في أتون الحروب والموت والدمار خدمَة للقوى الرأسمالية المُسيطرة في مجتمعاتها، ولم تَتَراجَع هذه الدول يومًا عن وجودها العسكري في دول المحيط ومناطق النفوذ الا بقوة المقاومة والبدع العسكري والخسائر الهائلة في الأرواح والاقتصاد، كما حصل في فيتنام وكوبا والجزائر وغيرها وغيرها وفي ذات الوقت ورغم ذلك لم تَتَخلى هذه الدول الإستعماري يومًا عن أطماعها في ثروات الشعوب ولهذا عملت على خلق طبقة الكمبرادور الحاكم بالتبعية ودخلت من خلال ذلك إلى حيثت خرجت بالقوة في بعض المناطق وخاصة دول الشرق والوطن العربي تحديدا والخليج هو الأكثر خنوعًا للغرب وحيثُ لم تَستَطع أن تُطَوّع القيادة الحاكمة في أي بلد عملت على قلب النظم ودمار تلك البلدان كما حيكَ لِسوريا ولم ينجحوا وليبيا والعراق وغيرها.

فهل سيكون حقًا الرد برشقة من الصواريخ البالستية على معسكر أمريكي؟
بعض العبيد، وللأسف، من ورَثَة الحقد الطائفي والمذهبي، منهم من يخدم أمريكا والصهيونية عن علم ومعرفة ومع سبق الإصرار ومنهم من يفعلها بحكم الحقد المذهبي وإن لم يكن يريد ذلك، ولا أتحدّث فقط عن تيار إسلامي سني مع زعماء التيار السني وصفوا الشهيد الجنرال قاسم سليماني الشهيد القدس، وبحق، بل وهناك أيضًا بعض من “اليساريين” الذين يتحدّثون بنفس أسوأ من المذهبي والطائفي وخاصّة بعض التروتسكيين، يحملون عداء للمقاومة ومحورها لأن في مركزها يقف حزب الله وإيران (كونها قوى دينية) في مواجهة المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة، هؤلاء يتغنون بالثورة على أنغام الأنجزة والتمويل الصهيوني والأمريكي والأوروبي والخليجي العَفن، ليسَ ابتداء بجورج سورس الصهيوني الأمريكي عراب الآنقلابات والثورات المضادة من أوروبا الشرقية إلى الوطن العربي وصديق حميم وممول كبير لحملة “انزل صوت للكنيست الصهيوني ومش مهم لمين”، يلتقي معه ويجتمع “يساريين” ليخدموا أجندتهُ؛ وطبعا ليس انتهاء بقطر ودورها التخريبي على مختلف الصُعد وأهمها التمويلي لقوى الآرهاب والدور الآعلامي المُشَوّه الذي يؤدي دورًا وظيفيًا في قلب الحقائق والدور الذي تلعبه مراكز أبحاثها في تلويث الفضاء الثقافي عبر التمويل وشراء الأقلام والباحثين؛ للأسف الشديد، والعمل على شيطَنة محور المقاومة تحت باب “الحريات والديموقراطية” في كلام بعضه حق يراد به باطل، فالموقف من أمريكا ليس بالضرورة أن يحتاج إلى تحليل وكثير من الفذلكات، ما تمارسه الولايات المتحدة واعوانها في الوطن العربي يحتاج فقط إلى أن نقول: الموت لأمريكا؛ الموت السياسي لسياسة الإستعمار هو شعار الأحرار ومن يقف في وجه أمريكا لا نقف في وجهه أبدا.

فهل هذا هو الرد؟
بالطبع ليس هناك ردًا مناسبًا على جريمة الإغتيال والقتل، ولكن لن يكون الرد بأقل من تحويل منطقة الشرق إلى جحيم مشتعل تحت أقدام الغُزاة، ردًا استرتيجيًا طويل الأمد يؤدي حتما إلى نهاية حقبة الولايات المتحدة في الشرق، وإيران لن تفعل ذلك بحرب مباشرة رغم حاجتها للثأر، هي ستكون رأس الحربة في المواجهة القادمة، عسكريا ولوجستيا، وهي كانت كذلك في السنوات السابقة وعلى مدار عقدين ولكن الآن ستتغيّر قوانين “اللعبة” وإيران تملك الكثير من الأوراق الضاغطة وليس صدفة أن رئيس حكومة الإستعمار الصهيوني والذي كان “محراك” شر في موضوع الملف النووي الايراني، نراه يصمت ويغرد بأن كيانه لا علاقة له بعملية الاغتيال، وهذا دليل على تغيير موازين القوى الذي باتت “إسرائيل” تقرأهُ جيدًا وتعمل بكل جهد لتجنب المواجهة المباشرة والشاملة، التقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث الاستراتيجية في الكيان الصهيوني تتحدّث وعلى لسان مسؤولين أمنيين وباحثين كبار، عن فداحة الخسائر في مثل هذه المواجهة وعن عدم جاهزية وحصانة الجبهة الداخلية.

ستشهد المنطقة عمليات نوعية ولكنّها قد تشهد حربًا استنزافية طويلة ستدفع امريكيا ثمنا باهظا في خضمها هذا اذا لم يقدم نيرون العصر الحديث دونالد ترامب على مجازفة لمواجهة شاملة مع أيران ومحور المقاومة.

محمد كناعنة أبو أسعد
عرابة البطوف – الجليل / فلسطين
08.01.2020

بواسطة
محمد كناعنة أبو أسعد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى