مقالات

قراءة في الدوة 74 للامم المتحدة !

بدأت الجمعية العامة للامم المتحدة اعمالها بصرخة مدوية كيف تجرؤون اطلقتها الناشطة السويدية غريتا تونبرغ بحضور 60 رئيسا من دول العالم وتسلل الى القاعة الرئيس ترمب ليسمع ما تقوله الناشطة غريتا تونبرغ التي اتهمت زعماء العالم بالشياطين وانهم لا يفعلون شيئا من اجل حماية البيئة التي تتدهور كل يوم واتهمتهم بانهم فقط حريصون على جمع الاموال هذه الكلمة كانت من اهم الكلمات في الجلسة المخصصة للتغير المناخي.غريتا تحدثت باسم المستقبل واتهمت القادة انهم فرضوا على اطفال المستقبل ظروف حياتية وبيئية بالغة الخطورة وانسحب الرئيس ترمب من الجلسة كما تسلل تزامنا مع انهاء خطابها بعبارة باننا نحن الاطفال والشباب سنراقبكم !
الجلسة الرسمية افتتحت بخطاب للرئيس ترمب الذي جله كان موجها للداخل الامريكي في عناوين الهجرة والحرب الاقتصادية مع الصين وفي تاكيده بان اولوية ادارته معيارها الولايات المتحدة اولا وناظمها العلاقة مع اسرائيل واكد على ان كل العلاقات والاتفاقيات تستند الى هذا المعيار في اشارة الى الخلاف مع الصين التي هاجمها في حين ابدى ترحيبه بالرئيس الهندي الذي كان له استقبال جماهيري حافل في تكساس واعلن عن مناورات مشتركة معها في مطلع العام المقبل تاكيدا لرؤية ادارته لاولوية العلاقة مع الهند على حساب الصين.
اما بشأن الملف الايراني فقد بدء برفع السقف عاليا وحدد ان العلاقة مع ايران معيارها الموقف الايراني من وجود اسرائيل في اشارة واضحة الى السبب الرئيسي للخلاف مع ايران ولم يشر في خطابه الى هجوم ارامكو بل اكد ان الحوار مع ايران تحت الضغوط هو الطريق لانهاء الملف وسارعت كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا الى اعلان موقفا مشتركا لافتا يتهم ايران بانها تقف وراء هجوم ارامكو واطلقت انجيلا ميركل تصريحا بعد لقائها مع روحاني يؤكد ان الغاء العقوبات قبل الحوار مطلبا غير واقعي هذا الموقف الجديد على ما يبدو يدخل في سياق زيادة الضغط على الرئيس روحاني وارضاء للموقف السعودي .
ترمب كان واضحا باستبعاد الحرب العسكرية مع ايران بالرغم من اعلانه ان الولايات المتحدة تملك اكبر قوة عسكرية واطلق تحذيرا بان لا تدعونا نستخدمها في تحدي موجه على ما يبدو الى القريب والبعيد.
اما بشأن الملف الفنزويلي فقد اخذ هجومه عليها ابعادا اديولوجية اظهر فيه عدائه للاشتراكية والشيوعية في اشارة مباشرة للصين وكوبا الذي يحكم كلا منها الحزب الشيوعي.
ترمب وفي اشارة غير موفقة لعزلة الرئيس مادورو واختبائه في الوقت الذي كانت طائرته تحط في مطار موسكو في زيارة رسمية لتأكيد التعاون بين البلدين .
ابرز ترمب موقفه الاديولوجي المعادي للاشتراكية كممثل للراسمالية العالمية وركز على القيم الدينية من موقع معاداته للشيوعية ليعيد الخطاب لمرحلة السبعينيات من القرن الماضي واللافت ان ترمب شجع الاتجاهات اليمينية في اوروبا والعالم وعبر عن دعمه لجونسون ومواقفه المعادية للاتحاد الاوروبي ناهيك عن دعمه اللامحدود للسياسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
موقف ترمب الاديولوجي باعادة الطابع القومي للراسمالية يدخل في اطار تفكيك منظومة العلاقات الراسمالية ذات الطابع العالمي التي حسب رايه اضرت بالمصالح القومية الامريكية.
هذا الموقف سيلقى صدى في اوساط الاتجاهات اليمينية المتطرفة في العالم ويعيد الصراع بين الدول على اساس المصالح الراسمالية القومية في اشارة الى دور قيادي حاسم للراسمالية الامريكية.
هذا الموقف الاديولوجي سيكون له انعكاسات على بنية النظم الراسمالية ويفتح بابا لتفكيك المنظومات الراسمالية التي فرضتها ظروف تطور النظام الراسمالي
التي تداخلت فيها مصالح راس المال واخذت بعدا خارج اطار الحدود القومية.
محاولات اعادة عجلة تطور النظام الراسمالي للوراء الى الحدود القومية سيشكل ضربة للعولمة سيكون لها تداعيات وسيفرض شرخا في العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة على اساس حرية السوق وسيغير من نمط التعارضات في النظام الراسمالي ويعيد اصطفافاتها.
جوهر خطاب ترمب هو محاولة منه لاعلان انتهاء العولمة واعطى الحق لكل دولة ان تخط سياساتها بناء على مصالحها القومية هذا سيفتح بابا واسعا للحروب الاقتصادية القومية وستكون الدول الفقيرة وشعوبها مادتها وساحتها.
كما كان لافتا في الجلسة خطاب الرئيس التركي الذي هاجم دول مجلس الامن في عناوين عدة الاسلحة النووية والكيميائية وطرح معادلة اما الجميع لهم حق امتلاكها او تمنع على الجميع وفي عنوان فلسطين فقد اسهب اردوغان وهاجم اسرائيل وتوسعها واللافت انه استخدم طريقة نتنياهو في عرض الصور وسأل عن حدود اسرائيل هل هي حدود 48 او 67 او القائمة الآن.
وفي الشأن السوري كان تصالحيا مع دمشق حيث اكد على وحدة سوريا ورفض ضم الجولان والقدس واكد ان الخطر الرئيسي على تركيا هم الاكراد واحزابهم المتطرفة واعلن عن خطته لاعادة توطين مليون ونصف سوري في المنطقة الحدودية الآمنة التي يسعى لاقامتها شمال سورية.
خطاب روحاني كان هجوميا على السياسات الامريكية اتجاه ايران والمنطقة ورفض الحوار تحت الضغوط واعتبر العقوبات الاقتصادية بمثابة اعلان حرب تجويع على الشعب الايراني وطرح مبادرة الامل من اجل السلم الاقليمي اساسها دول المنطقة التي لها مصلحة مشتركة في امن الملاحة للجميع واشار للعدوانية الامريكية الاسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني وطالب بوقف الحرب الظالمة على الشعب اليميني واكد على الدور الايراني في محاربة الارهاب في سوريا واشار الى اخفاق السياسة الامريكية في افغانستات والعراق وسورية واليمن وركز على تهاون دول الخليج ودعاهم لاقامة تحالف الامل والاستثمار في السلم بدل الحرب وان حق الجيرة يفرض التعاون والسلم والامن للجميع.
على ما يبدو ان جهود مكرون اثمرت نصف نجاح عبرعنه بعدم تضمن خطاب ترمب اتهاما مباشرا لايران بهجوم ارامكو وبالمقابل وبعد هجوم حاد على السياسة الامريكية في المنطقة ختم روحاني كلمته بالمطالبة بالعودة الى طاولة الحوار.
رغم كل عبارات العداء والتعارض بين الزعماء لكنهم جميعا اكدوا ان لغة الحوار هي المدخل لحل النزاعات بينهم.
اما الجبير فقد دعى لمعاقبة ايران في محاولة استجداء اظهر فيها ضعف موقف الممكة وكانت مناشدة في الاتجاه المعاكس للجهود الاوروبية للعودة الى الحوار والتفاوض.
ان استخدام الادارة الامريكية هيمنتها على النظام المصرفي العالمي كسلاح ضد معارضيها من دول وشركات وافراد سيدفع الدول الصاعدة المتضررة بالبحث عن نظم مالية جديدة لتفادي العقوبات الاقتصادية.
ستنتهي الجلسات ويعود القادة الى دولهم وستبقى صرخات الطفلة غريتا تونبرغ كيف تجرؤون هي الحد الفاصل بين سعي قادة الراسمالية لجمع المزيد من الثروات وبين سعي الشعوب من اجل عالم افضل وانقى واكثر عدالة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى