قبل الاحتفال بالانتصار على “داعش” / ماجد توبة
قد یكون من المبكر، والمبكر جدا، الاحتفال الدولي بتحقیق الانتصار الكامل على تنظیم ”داعش“ الإرھابي، بعد السیطرة على آخر معاقله على الأرض ببلدة الباغوث شرق سوریة یوم السبت الماضي، وإعلان الولایات المتحدة وقوات سوریة الدیمقراطیة زوال ما اسمیت بـ“دولة الخلافة“.
لا شك أن النصر العسكري في آخر معاقل التنظیم الإرھابي على الأرض مرحلة مھمة وحاسمة بالحرب على الإرھاب والتوحش بأبشع صوره الذي مثله ”داعش“ خلال سنوات مضت، لكن كل التحلیلات والتقاریر الاستخباریة تحذر من الخطر الذي تشكلھ بواقي التنظیم وخلایاه النائمة في غیر مكان وساحة، واستمرار امتلاكھا للقدرة على الإضرار وتشكیل خطر أمني لا یستھان به.
حتى وزارة الدفاع الأمیركیة ”البنتاغون“، لم تكن بتلك الحماسة التي أبداھا الرئیس دونالد ترامب، بالاعلان الاحتفالي بانتھاء ”داعش“ وتحقیق النصر على التنظیم.
بالنسبة لنا؛ فإن القضاء على ”داعش“ وكل العصابات الإرھابیة الشبیھة ھو نصر للإنسانیة جمعاء، وحمایة لأمن شعوبنا، وانتصار لقیمنا ودیننا ولاستقرار دولنا التي عانت اكثر من غیرھا من ھذا الإرھاب الأعمى والاستثمار به لتصفیة الحسابات الدولیة والإقلیمیة على حساب شعوبنا ومجتمعاتنا.
لكن ھذا النصر على ”داعش“ لا یستقیم ولا یكتمل في ظل بقاء البیئات الحاضنة للفكر الإرھابي والمتطرف والظروف التي تخلق لاستمرارھا وازدھارھا، لیس في العراق وسوریة فقط، بل في كل الإقلیم، وفي أولھ فلسطین وقضیتھا المفتوحة على الظلم والخرق للقانون الدولي والانساني، خاصة الیوم في ظل ما تذھب الیھ إدارة ترامب المتصھینة والمتطرفة من انحیاز اعمى حد التماھي مع سیاسة الیمین الاسرائیلي، وبالضد من الشرعیة الدولیة وقرارات مجلس الأمن، وحتى بالضد من المصالح الامیركیة والدولیة، التي یفترض بھا التحقق بعودة الاستقرار للمنطقة بحل عادل لأعقد قضایاھا، لا بدعم الارھاب الاسرائیلي ودولة التمییز العنصري و“الابارتھاید“.
ھذا من جھة، ومن جھة أخرى، فإن القضاء على ”داعش“ واستئصال خطره الكامن یتطلب أولا التوقف عن الاستثمار الامیركي ومن قبل دول عدیدة بالارھاب والتطرف لتصفیة الحسابات السیاسیة واستخدامھا ادوات في الصراعات ضد الآخرین، وھو ما جرى في العراق وسوریة ولیبیا، وكان الاستثمار الفاقع بل والمقامرة القاتلة بھذا الارھاب في سوریة، التي دعم فیھا صفا طویلا من الجماعات والفصائل الارھابیة والمتطرفة بالمال والسلاح والدعم السیاسي والإعلامي وبإنعاش الابعاد الطائفیة التفتیتیة لتصفیة الحسابات مع سوریة والسیطرة علیھا قبل ان ترتد المقامرة على رؤوس الجمیع.
وكما اوجدت الولایات المتحدة القاعدة باستثمارھا في التطرف والارھاب بحربھا مع الاتحاد السوفیاتي في افغانستان، انتجت سیاساتھا القاصرة والمقامرة وحساباتھا الطوباویة ”داعش“ والنصرة والقاعدة في بلاد الشام وصف طویل من التنظیمات المتحجرة التي تدور بفلكھا، وعندما خرج البعبع من قمقمھ، اصطلت أیدي الغرب والولایات المتحدة ذاتھا، اضافة الى مجتمعاتنا ودولنا بنار الإرھاب والتطرف.
الیوم وإدارة ترامب تحتفل بھزیمة ”داعش“ في الباغوث السوریة، لا تبدو قد تعلمت من المأساة التي ضربت المنطقة والعالم بدعم الإرھاب والتطرف والاستثمار بھما في السیاسة الدولیة، وما قرار ترامب الاخیر تجاه الجولان السوري المحتل وقبلھ قراره تجاه القدس المحتلة، إلا شاھد على المضي قدما بخلق البیئة المناسبة لولادة كل انواع التطرف وعدم الاستقرار، ناھیك عن مضیھ بقرع طبول الحرب ضد ایران والتحشید ضدھا ما یھدد بفتح باب جدید لعدم الاستقرار وانتعاش الارھاب والتطرف والصراعات الطائفیة بالمنطقة كلھا.
قبل أن تعلن الولایات المتحدة الاحتفال بالنصر على ”داعش“ علیھا أن تتعلم كیف تغلق أبواب صناعة التطرف والكراھیة والإرھاب، وھو أمر یبدو بعیدا جدا وللأسف!