قارئة الفنجان / جهاد المنسي
طبعا، المقصود بالعنوان قصیدة نزار قباني التي أداھا الراحل عبد الحلیم حافظ فأجاد، إذ إن جزءا كبیرا من القصیدة ینطبق على حیاتنا الیوم، فالدنیا التي تحدث عنھا قباني ولامھا وبحث عنھا قبل أن یكتشف أن تلك الدنیا لم تعد ھي ذاتھا التي كتب عنھا الشعراء والكتاب، فأوجاع الدنیا أصبحت تؤثر على حیاتنا الیومیة، وتدخل في كل تفاصیلھا، فأیام قباني وعبد الحلیم اللذین بحثا عن الدنیا بكل اللھفة والوجد ھي ذاتھا التي نعیشھا الیوم، فبات الامل فیھا مفقودا.
فقد تواصل الحال، منذ زمن وحتى الیوم، وبحثنا عن إصلاحنا المفقود دون أن نعثر على طریقه، فقارئة الفنجان في قصیدة قباني ما تزال تذكرنا بأوجاعنا، فطریقنا ما یزال مسدودا مسدودا، وعلینا أن نواصل البحث عن طریقنا الحقیقیة التي نرید أن نعیشھا والتي نسعى الیھا في كل مكان.
الواضح أنه في ظل ما نراه یومیا من نكوص دیمقراطي، وتراجع في فكر الدولة وبروز الجھویة والمناطقیة والواسطة والمحسوبیة، بدل الدولة المدنیة الحدیثة، اننا سنواصل بحثنا دون جدوى، وأن البحر والبر لن یكون لدیھما جواب عن سؤالنا، وسنجوب بحارا وبحارا، ونبكي دمعا مدرارا دون أن نعثر على إصلاحنا المفقود واقعیا، والذي یبدو اننا لن نراه الا في خطابات الحكومات عندما تطلب الثقة.
قال قباني ستبحث عنھا في مكان، ویبدو اننا سنواصل البحث عن إصلاحنا المفقود في كل مكان وزاویة، والنتیجة كما ھو واضح اننا سنعود بخفي حنین مكسوري الوجدان، فلا إصلاح وجدنا ولا دولة مدنیة عصریة بنینا، وسیكتب علینا أن نواصل الدوران في ذات الدائرة التي بدأنا ندور فیھا منذ 1989 دون أن نتقدم لو خطوة واحدة للأمام، وما یزال المسؤولون لدینا یجترون ذات الكلمات ونفس تعبیرات الإنشاء، ویعیدون على مسامعنا تعابیر الصف الاول ابتدائي دیمقراطیة التي قرأناھا قبل 30 عاما ، والتي ما زلنا نسمعھا تتكرر یومیا على الالسن دون أن یكون لدى اثرنا فيه.
المستقر حتى الیوم أن الاصلاح والدولة المدنیة الحدیثة ودولة النھضة باتت خیط دخان، وبتنا نطارد وھما ونجتر احزانا، فالاصلاح الحقیقي لا عنوان لھ لدینا، ولا یوجد حتى الیوم من استطاع أن یرسل بریده إلى عنوان الاصلاح الحقیقي دون أن یعود البرید بسبب خطأ في العنوان.
والمستقر أیضا الذي بات علینا أن نراه ونلمسه، أن الإصلاح والواسطة والمحسوبیة لا تلتقي، وأن الإصلاح دون سیادة القانون على الجمیع بمثابة كلام في كلام، والإصلاح دون مواطنة وھم وإضاعة وقت، فأي اصلاح یمكن أن نبدأ به ونحن نفتقر الشفافیة والمحاسبة، وأي إصلاح نتحدث عنه ونحن نرى إبعاد الأنقیاء عن سدة صنع القرار واستحضار محاسیب ومعارف واصدقاء .
دعونا من سیمفونیة الكلام دون نتیجة، وعبارات التعبیر دون فعل، وبیع الوھم دون تحقیق جزء من الأحلام، ولنعرف أننا طالما لم نستطع تنفیذ الرؤى والأفكار فإن عصر الانتظار لا یطول، وأن من یفشل لا یوجد لدینا وقت كثیر لمنحھ فرصا اخرى والانتظار.
شراء الوقت لا یفید، والارتكان على عبارات الإنشاء والوعود دون تنفیذ في ظل ما یمر به المواطن والوطن من أزمة اقتصادیة خانقة وتدھور معیشي واضح سیكون له ارتدادات عكسیة، وتأثیر سلبي وسیفقد المواطن ثقتھ بالحكومات، وسیكون علینا وقت ذاك الذھاب للترمیم أو اعادة البناء قبل أن نعاود النھوض، فنحن لا نرید أن یكون إصلاحنا سحب دخان ولا نحبذ ان تبیعنا حكومتنا اوھاما، ولكننا نرید ان نمسك الاصلاح المنشود مسك الید ونلمسه ونشعر به لا أن نقرأه على الدفاتر والكتب والافكار.