في مواجهة صُنّاع الكراهية
لم یكن الحادث الإرھابي الأول ولن یكون الأخیر ما جرى من مذبحة لآمنین بالمسجدین في نیوزیلندا، ولیس مھما دیانة الضحایا الأبریاء الذین استبیحت دماؤھم غیلة وكراھیة وھم یؤدون صلاتھم بدار عبادتھم بذلك البلد الھادئ، فالقاتل الحاقد الذي غزل عنكبوت الكراھیة والشوفینیة شباكه على عقله وقلبه الأسود مثله العدیدون حول ھذا العالم البائس بأمراضه وأحقاده وصراعاته؛ كل لھ اعداؤه وضحایاه وشعاراته المأفونة، التي تتمسح بالدین حینا، وبالسیاسة حینا آخر، وبالتعصب العرقي أحیانا أخرى.
كل ھذا التقدم الانساني الذي یلف عالم الیوم، وتقدم ملف حقوق الانسان على اجندة الدول والشعوب، والتعلم المفترض للبشریة من دروس المذابح والمجازر وحروب الإبادة التي لطخت تاریخنا الإنساني، القدیم والحدیث، لم ولن ینھي لوثة الكراھیة والاحقاد وما یتمخض عنھا من جرائم وإرھاب أعمى، في ظل اعتیاش سیاسیین وانظمة في طول ھذا العالم وعرضه، بدوله المتقدمة والمتخلفة، على ھذه الكراھیة والتمییز الشوفیني العنصري بحثا عن مصالح خاصة بالسیاسي او عامة لدولته.
وإن كان الرئیس الأمیركي دونالد ترامب شكل النموذج الأمیز والفاقع لھذه الحالة التي تستغل بث الكراھیة واللعب على التنوعات السیاسیة والثقافیة والعرقیة باعتبارھا انقسامات محتوم علیھا التصارع لا التعایش بتعددیة وصولا الى السلطة، فإن لم یكن النموذج الأول أو الأكثر خطورة، فقد سبقه لھذا المضمار، بل وربما أسس له على المستوى الأمیركي والعالمي الرئیس جورج بوش الإبن، الذي امتطاه الیمین والمحافظون الجدد، لیطلق حربا اغرقت عالمنا، ولیس الشرق الأوسط فقط، بالكراھیة والتطرف والإرھاب والدماء.
قبل وبعد ذلك، تصر الولایات المتحدة بدعمھا اللامحدود للاحتلال الاسرائیلي وجرائمه ضد العرب والشعب الفلسطیني، إبقاء شعلة الكراھیة متقدة بین الغرب والشرق، حیث تدفع ربیبتھا إسرائیل، التي استفحل بھا الیمین التلمودي، بالصراع إلى مزالق الحرب الدینیة، وما یجره ذلك من آثار كارثیة على الانسانیة جمعاء.
أما نحن العرب والمسلمین، فلدینا أیضا من یشعلون حروب الكراھیة والاحقاد والارھاب، لیس فقط ضد الغرب بل وایضا ضد بعضنا البعض، حیث اختلط النضال والمقاومة المشروعة ضد المحتل والغازي بالارھاب وتصدیره لأسواق وشوارع أوروبا وأمیركا وذبح المدنیین الآمنین، وتقسیم العالم إلى فسطاطین؛ في حلقة شیطانیة مفرغة تدفع ثمن الكراھیة وتعید انتاجھا. في خضم كل ھذه الصور السوداویة والمثیرة للقلق الانساني، تأتي ردة فعل الشعب النیوزلیندي وحكومته على الجریمة البشعة للارھابي الاسترالي الحاقد لتبث الأمل في نفوس الجمیع بأن كل الكراھیة والحقد الذي یحاول زرعه ارھابیون ومتطرفون لن تطفئ انسانیة السواد الأعظم من البشر، من كل الأجناس والعرقیات والدیانات، ممن راعھم حجم ما تفعله الكراھیة والتعصب بین ظھرانیھم، من استباحة لدماء أبریاء آمنین في مسجدھم.
بمثل ھذه المواقف والعواطف الانسانیة الجیاشة، التي امتدت من نیوزلیندا الى دول غربیة عدیدة بالتضامن مع ضحایا المجزرة البشعة یكون الرد على ھذا الاجرام وحقد الكراھیة، وھي مواقف نتمنى أن نجد مثلھا أیضا في بلادنا عندما یضرب الإرھاب الأسود أبریاء في أسواق باریس أو شوارع بروكسل وكندا، وافساح المجال لإنسانیتنا للتعبیر ببساطة عن نفسھا دون فذلكة او تحفظات.
الرد على القتلة والإرھابیین، من ایة ملة أو دین أو عرق، یجب أن یكون بالنموذج الذي قدمه شعب نیوزیلندا وبالمزید من تعزیز المشترك الانساني بعیدا عن إذكاء نار الكراھیة والحقد وتحویل التنوعات الثقافیة والعرقیة والسیاسیة إلى محرك للصراع والنزاع بین البشر.