في ذكرى رحيل غسان / مالك أبو الهيجا
في مثل هذا اليوم الهادئ ، الثامن من تموز عام ١٩٧٢ ، كان العدو الإسرائيلي قد انتهى من تركيب العبوة الناسفة لسيارة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الرفيق الشهيد غسان كنفاني ، أديب الثورة الفلسطينية و قلمها الصارخ بوجه كل الإنتهازيين و الاستسلاميين ، غسان الذي لم يعرف سوى القلم سلاحاً و حجراً ، و بقلمه نظّم خلال سنين عمره الستة و الثلاثين و بعدها و الى الآن مئات المناضلين و الرفاق ، و الذي التف حول كتبه و رواياته الأطفال و الشيوخ .
في صبيحة ذلك اليوم ودّع غسان “آني” و “ليلى” و “خالد” و اخذ لميس الصغيرة بيده و دخل سيارته تاركاً لكل رفاقه و رفيقاته استكمال مشوار الكفاح و النضال من أجل التحرر و النضال في سبيل فلسطين و قضية كل مظلوم و فقير و مستضعف.
في الذكرى الرابعة و الأربعين لرحيل الشهيد غسان كنفاني ، وجب علينا أن نؤكد بأن غسان اختار دربه في الكفاح و النضال منذ تحركت عربة التهجير من شوراع عكا ، و بأنه تحسس جروح و إجرامية الإمبريالية و الصهيونية منذ وصل صفد عصراً ، و أصبح لاجئاً. في حديث السيدة “آني كنفاني” زوجة الشهيد ، تقول: كنت قد وصلت لبنان قادمةً من الدينمارك لأكتب عن اوضاع اللاجئين الفلسطينيين ، و لم أكن اعرف غسان الذي سيصبح زوجي فيما بعد ، و عن طريق أحد الأصدقاء تعرفت على غسان لأعرض عليه مهمة مرافقتي لأحد المخيمات لأرى اوضاع الفلسطينيين ، و تقول عندما عرضت على غسان طلبي ، انتفض بوجهي صارخاً ” يجب ان تعلمي يا سيدتي ان الفلسطينيين عانوا ما عانوه بسبب الاستعمار و القتل و الترهيب ، و أن هذه المخيمات ليست حدائق للحيوانات لتتفرجي عليها .. اذهبي و أقرأي عن شعبي و عن نضاله و فداءه في سبيل وطنه ثم عودي” ، هكذا هو غسان ، مدافع و مناضل كبير عن قضيته و شعبه ، لا يسمح لأي انسان بأن يتعرض لهم بكلمة صغيرة كانت أم كبيرة.
و في الحديث عن غسان كنفاني الأديب و المثقف ، فإن أعمال غسان الموقعة و غير الموقعه بإسمه تؤكد ، بأن غسان كان مثالاً للمثقف الماركسي الوطني الملتزم ، و الذي كان يكتب المعاناة كما أحسها و عاشها ، و بالمقابل يكتب الثورة و النضال كما مارسه و مارسوه ، فالحديث عن غسان الكاتب هو حديث عن غسان المناضل ، و كما يصرخ محمود درويش في رثاء الكنفاني قائلاً بأن واو العطف ما بين الصفتين هي خيانة لتاريخ الشهيد و نضاله المستميت في سبيل وطنه ، فوصفه الصحيح هكذا يكون “غسان الكاتب المناضل”. لقد آمن غسان كنفاني بكل كلمة كتبها ، و ذرف الدموع أنهاراً عندما كتب رواياته و اعماله ، فهذا هو المثقف المناضل العضوي ، الملتزم بقضيته و وطنه ، و المدافع عن مصالح طبقته و فقراء وطنه ، فلطالما كانت روايات غسان تتحدث عن الشباب الذين خرجواً من انقاض الفقر و العدم و الجوع ، خرجوا يبحثون عن فلسطينهم التي سلبت ، عن وطنهم الحنون الذي يغتصبه الصهاينة الاوباش ، فكما يصف شهيدنا هؤلاء المستعمرين همّْ : “إن أكبر جريمة يمكن لأي إنسان أن يرتكبها ، كائناً من كان ، هي أن يعتقد ولو للحظة أن ضعف الآخرين وأخطاءهم هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم ، وهي التي تبرر له أخطاءه وجرائمه” فهذه هي الصهيونية العنصرية و هذا هو استغلال البشر بسبب ضعفهم ، و لذلك فإن مجازر دير ياسين و صبرا و شاتيلا و ما سواها هي مجازر استغلت ضعف هذا الشعب و جهله في وقت من الاوقات ، ضاربةً أعنف صنوف القتل و الدموية. إن الوفاء لتاريخ الشهيد و مسيرته الطويلة في النضال و الدفاع عن شعبه ، هو التمسك بالثوابت الوطنية التي دعى لها غسان ، فعهدنا للشهيد هو عهد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و أدبياتها و تاريخها العريق المعمد بدماء الشهداء ، أمثال غسان كنفاني و أبو علي مصطفى و جيڤارا غزة ، و من جهة أخرى هو الفهم العلمي للقضية الفلسطينية ، و القراءة الواعيّة بالنظرية الماركسة و منهجها المادي الجدلي لفهم الترابط التاريخي ، و الظروف التي أدت بنا الى هذا الوضع المشين من الإنقسام و التفكك ، و الذي برزت فيه الكثير من القوى الإنتهازية و صعد به الكمبرادور الفلسطيني الوصولي المتخاذل مع العدو الصهيوني ، خدمةً لمصالح البرجوازية الفلسطينية ، بعيداً عن أوجاع هذا الشعب الذي يعاني منذ أكثر من سبعين عام. نقول السلام لقلبك النابض في ضلوعنا يا غسان ، فرفاقك و قرّائك يحملون القضية التي حملتها ، و يقبضون على البندقية مؤكدين أنها السبيل للتحرير .. تحرير كل فلسطين و إقامة دولتنا الفلسطينية الإشتراكية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني.