مقالات

في الذكرى العاشرة لرحيل الدكتور جورج حبش / هيلدا حبش

تحل الذكرى العاشره لرحيل شريك العمر ورفيق الدرب النضالي الطويل والشاق انه الحكيم  الدكتور جورج حبش فقيدنا الغالي و فقيد الوطن الغائب الحاضر بين اهله وفي وجدان شعبه وانني ولغاية اليوم ارفض فكرة الرحيل، كيف يرحل من يعيش بيننا ويسكن قلوبنا ويحتل وجداننا ويشغل مخيلتنا، كيف يرحل من ترك كل هذا الأرث النضالي الكبير الذي أثرى به تاريخ الثورة الفلسطينيه المعاصرة وترك بصمة للاجيال فهو يتجسد كل يوم في المواجهات اليوميه لشعبنا مع العدو الصهيوني

نفتقده في هذا الزمن الرديء و نحن أحوج ما نكون لحكمته و مشورته و إنسانيته و لكل ما يمثله من قيّم و مبادىء و تفان وعطاء و إنكار الذات .

 أراه في القدس و في جنين والخليل و في غزة، و في كل شبر من فلسطين، أراه من خلال شباب الانتفاضه المجيده وشاباتها وأطفال فلسطين وشيوخها يحثهم على المقاومه ويشد من أزرهم ويتدفق حماسا ليعيش الأمل الذي تحقق له من خلال الاشتباك اليومي لشعبنا وهو يتصدى لجيش الاحتلال المدجج بالسلاح بصدور عاريه سلاحهم الاراده الحديديه والاصرار على المقاومه.

 هذا الداء الذي ابتلينا به منذ الطفوله،داء مزمن لكنه ليس عصي على الحل  فشعبنا قادر على اقتلاعه من الجذور..

من رأى الفتاه الجميله الشقراء المناضله ” عهد التميمي ” وهي تصفع الجندي الصهيوني بكل قوه وعنفوان يستطيع أن يدرك أن هذا الشعب ما زال قادرُ على التضحيه والعطاء وقادر أن يوجه الصفعه تلو الصفعه للمؤسسه العسكريه الاسرائليه الصهيونيه ….. ومن المدهش حقا أن الجندي الذي صفعته عهد صمت صمت القبور من هول الصدمه …. هذه الفدائيه الثائره على القهر والظلم التي ابتكرت أسلوبا جديدا للمقاومه الشعبيه أربكت جنرالات العدو الصهيوني بقدر ما أربكهم صمت الجندي الذي صُفع…

لقد نقلت مصادر الصحافة الاسرائيليه بنفسها القول الأتي “من المفارقة أن نتبين أنه  بعدالحجاره والسكاكين والزجاجات الحارقه والعبوات الناسفه فان السلاح الأقوى لدى الفلسطينين هو فتاه داهيه ابنة ال 16 عاما ” .

 انها جان دارك فلسطين بل أيقونه تستحق منا كل التقدير والاحترام والدعم المعنوي. أوجه لها تحيه اكبار واجلال و للأب الفاضل المناضل الذي يدافع عن ابنته بكل شموخ وكبرياء وللأم المناضله التي ارضعت ابناءها حليب الانتماء للوطن والدفاع المستميت عن الارض وعن الهويه الفلسطينيه وعن حقنا التاريخي بهذه الارض المقدسة. وكذلك احيي جميع المناضلين الشرفاء الصامدين في وجه اعتى القوى المعاديه للانسانيه . والرحمه لجميع الشهداء الأبرار.

أما صفقه القرن التي ابتدعها ترامب وقراراته  الجائرة بأن القدس عاصمه أبديه لاسرائيل فعليه أن يقرأ تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، وأقول له أنني أبنه القدس عشت تداعيات النكبه عام 1948 كنا ننام ونصحو على أزير الرصاص ودوي الانفجارات ما زال يطن في أذني … والاشتباكات بباب العامود بين الجيش الإسرئيلي وبين المناضلين الفلسطينين وهم يحاولون التسلل عبر الاسلاك الشائكه التي كانت تفصل القدس الشرقيه عن القدس الغربيه يحاولون العودة الى ديارهم التي هجروا منها، ومشهد الجنود الصهاينه وهم يعتلون أسوار المدينه المقدسة ويطلقون النار على المدنيين العزل عشوائيا.

لقد مارست اسرائيل التطهير العرقي وإقتلعت شعباً بأكمله من جذوره واحتلت 78% من فلسطين التاريخيه عام 1948 . كل ذلك حصل امام مرأى ومسمع العالم بأسره وان الانحياز الاعمى لإسرائيل الذي تمارسه امريكا لن يجدي نفعا لان فلسطين لها أهلها وشعبها ولن نفرّط بذرة تراب من أرضها وأن قوافل الشهداء الأبرياء لن تتوقف دفاعا عن حقنا في الوجود فوق تراب وطننا . وان الجيل الصاعد الذي يقف في وجه اسرائيل هم من الشباب الواعي المثقف الذي يؤمن بعداله قضيته ويريد أن يخلع شوكه بيده مهما طال الزمن.

أمام هذا المشهد الدامي على الساحتين الفلسطينيه والعربيه جاءت قرارات ترامب لتصب الزيت على النار،تصريحات غير مسؤوله ومستفزه … ان الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل لن يتحقق الا على جثث مناضلينا وان القدس عربيه رغما عن أنفه ونحن ابناء القدس قد وطأت أقدامنا ثراها منذ الطفوله قبل ان تدنسها اقدام الغزاه الصهاينه.

في خضم هذه الاحداث الخطيره دعت السلطه في رام الله الى اجتماع المجلس المركزي دون الاخوه في حماس والجهاد مع أنهم في اشتباك متواصل مع العدو وخاضوا العديد من الحروب مع الكيان الصهيوني  وقدموا آلالاف الشهداء وفُرض عليهم حصاراً مُحكماً دفع شعبنا ثمنا باهظا ولا زال يعاني من قطع الكهرباء وتلوث المياه والبطاله والفقر المدقع وشح الموارد الغذائيه وتدمير البنيه التحتيه إضافة إلى الالاف البيوت التي دمرت.  كل ذلك والقياده الفلسطينيه تقف موقف المتفرج من معاناه الناس مما يعمق الانقسام ويزيد الاحقاد والمستفيد الوحيد هو العدو الصهيوني.

وفي ظل هذا الوضع المأساوي جاءت قرارات المجلس المركزي دون المستوى المطلوب ولم ترتق الى طموحات شعبنا وتضحياته الجسيمة ، بدلا من العمل على تجسير الهوة التي تفصل بين السلطة وبين حماس والتأكيد على الوحدة الوطنية في مواجهة هذه الظروف الخطرة والمعقدة وتشكيل قيادة موحدة لحماية الانتفاضة ومساندتها وتطويرها ودعمها ماديا ومعنويا واعلاميا… والعمل على حماية المناضلين والحرص على حياتهم.

وهذا يتطلب أن تعلن القيادة الفلسطينيه بكل حزم ووضوح  وقف التنسيق الأمني والتحرر من جميع القيود والاتفاقيات السياسيه والاقتصاديه المجحفه و المذلة بحق شعبنا والتي تنص على حمايه اسرائيل وأمنها اولا وآخرا و التي يتم تطبيقها من طرف واحد والخروج من مستنقع أوسلو.

كان على المجلس أن يقف وقفة نقد وتحليل لكل ما نتج عن أخطاء القيادة التي اعلنت عن فشلها بعد 24 عاما من توقيع الاتفاقيات المشؤومه التي انعكست سلبا على شعبنا واوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم.

عندما تتحدث السلطة عن دولة فلسطينيه على حدود الرابع من حزيران،  ما هي حدود الدولة وما هي مساحتها بعد التوغل الاستيطاني الذي ابتلع مساحات شاسعه من القدس و الضفه الغربيه.

800 الف مستوطن يقبعون فوق صدورنا ، ماذا بقي من مساحة الضفه الغربيه بعد التمدد الاستيطاني والكتل الاستيطانيه التي تطوق جميع المدن الفلسطينيه وجدار الفصل العنصري الذي ابتلع أكثر من 10%من مساحة الضفه وفصل أكثر من 65 الف مواطن عن محيطهم واقامة الحواجز واغلاق الطرق وشق طرق الألتفافيه وابتلاع   أكثر من45  % من مساحة الضفه الغربية…. اين ستقام تلك الدولة العتيدة التي يطالبون بها … هل هناك عصا سحرية للحل ؟؟

في كتاب التجربه النضاليه الفلسطينيه حوار مع الدكتور جورج حبش مؤسسة الدراسات الفلسطينيه يقول الحكيم : ” منذ البدايه برز نهجان في النظرة الى الانتفاضة النهج الاول مثلته القيادة المتنفذه في م. ت. ف  وكان يدفع في اتجاه السيطرة على الانتفاضة والتعامل معها بصورة استخداميه متسرعه بدلا من الارتقاء بها واسنادها بكل الطاقات .

النهج الثاني والذي حملت رايته الجبهة الشعبيه  كان يدفع في اتجاه اطلاق ابداعات الانتفاضة الى ابعد حد واعتبار اسنادها بمقومات الصمود ماديا وسياسيا واعلاميا مهمة أولى مع ضرورة اعطاء قيادتها الوطنية الحريه في ادارة الصراع وفق معطيات الواقع . والأهم حمايتها سياسيا وعدم تبديد انجازاتها . انني اعتبر النهج الاول  وتفرده هو الذي أدى بالانتفاضه الى ان تصبح ورقه مساومه على طاولة المفاوضات في اوسلو.

في الواقع ان خيار اوسلو بعدما بدد انجازات مرحلة الكفاح المسلح بدد ايضا انجازات الانتفاضه في الوطن المحتل بل ان وقف الانتفاضه كان شرطا اسرائيليا للموافقه على اتفاق اوسلو.

لا يمكن فهم الانتفاضه وادراك دروسها الا من خلال رؤيتها كعمليه تاريخيه اي باعتبارها تتويجا لتراكم نضالات الشعب الفلسطيني … انها استمرار ابداعي لكفاح شعبنا المستمر منذ العشرينات والثلاثينات والاربعينات… الى حين هذه اللحظة واني أرى فيها اهداف وآمال عشرات الالاف من الشهداء الذين سقطوا خلال عقود النضال الطويله . ارى فيها محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير والشيخ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وغسان كنفاني وخالد نزال وابو جهاد ووديع حداد والشيخ احمد ياسين ويحي عياش وجميع الشهداء الابرار.”

بقدر ما كان قاسيا غيابك يا حكيم بقدر ما تتوهج ذكراك وحضورك في وجدان شعبك عاما بعد عام.  لقد استحق الحكيم لقب ضمير الثورة عن جدارة وبإمتياز لانه كان الحارس الأمين على مكتسباتها ولم يفرط يوما بالثوابت الوطنية وبحقوق الشعب الفلسطيني وبالعودة الى وطنه وإقامة دولته الحره المستقله فوق تراب وطنه الغالي فلسطين التاريخيه من البحر الى النهر.

تحيه اكبار واجلال الى روح الحكيم النقية الثائرة والى جميع شهداء الثورة الفلسطينيه الابرار.

كما اوجه تحية اعتزاز واجلال الى جميع الاسرى والمعتقلين الابطال في سجون الاحتلال الإسرائيلي البغيض

وإن الفجر آت لا محالة

كاتبة وناشطة وزوجة المناضل جورج حبش / نقلاً عن رأي اليوم

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى