في الذكرى الخمسين لهزيمة حزيران
شنّت “إسرائيل” في الخامس من حزيران عام 1967 حرباً شاملة استهدفت مصر والأردن وسورية، نجحت من خلالها في احتلال سيناء والجولان والجزء المتبقي من فلسطين المعروف (بالضفة الغربية وقطاع غزة).
حرب الخامس من حزيران غيّرت وجه المنطقة من حيث الجغرافيا والمفاهيم والنظرة للصراع. كانت حرباً بتدبير مسبق من “إسرائيل” وبدعم غربي، وهذا ما عبر عنه بن غورويون حينما قال أن حرب الـ 48 لم تحسم الأمر، وأن عليهم خوض حرب يتم من خلالها إرغام العرب على قبول (إسرائيل) والاعتراف بوجودها.
هذه الحرب في حقيقتها استهداف لمشروع النهوض العربي الذي قاده وجسده جمال عبدالناصر. هذا المشروع الذي نجح في أن يكون بؤرة جذب واستقطاب لكل القوى والشرائح الاجتماعية المعادية للاستعمار والصهيونية. الأمر الذي دفع القوى الاستعمارية إلى الاستنفار والتعامل مع هذا المشروع بدرجة كبيرة من الأهمية والنظر إليه على أنه سيكون عنصر كنسٍ للوجود الاستعماري في عموم الوطن العربي. من هنا جاءت هذه الحرب لضرب المشروع نفسه من ناحية، وتلبية الأهداف الصهيونية التوسعية من ناحية ثانية.
إذا كان جمال عبدالناصر حاول إجراء تغييرات كبيرة في قيادة الجيش المصري وبنيته وإعداده لحرب استنزاف تكون مقدمة لحرب التحرير، إلا أن الوفاة المفاجئة لجمال عبدالناصر ومجيء السادات وفرت الفرصة للغرب لقطف ثمار هزيمة حزيران. لأن عبدالناصر لم يستسلم لتلك الهزيمة وتعامل معها ككبوة في مسيرة طويلة بعكس المسار السياسي الذي سار عليه السادات وتعامل معه، الأمر الذي قاد إلى إبعاد مصر عن القيام بدورها، بل إن تطور الأحداث اللاحقة سواء لجهة زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، كل هذا قاد إلى إحداث استدارة كاملة لدور مصر بحيث بدل أن تكون رافعة وقائدة للمشروع النهضوي العربي بات المشروع الصهيوني يتحرك في ظل دعم ومساندة مصرية.
لقد ترافق مع هزيمة المشروع النهضوي العربي بشكل أو بآخر انهيار للمنظومة الأيديولوجية لذلك المشروع، وكشف كذلك عن فشل مشروع الدولة الذي سعت إلى بنائه مع المشروع القومي، لأن تلك الهزيمة سرعان ما فتحت الأبواب لظهور العصبويات المذهبية والطائفية، ليتحول الولاء لهذه الجماعات بديلاً عن الولاء للدولة، ولعل ما نشهده الآن فيما نواجهه من حروب وفتن واقتتال داخلي بين مكونات المجتمع، أكبر دليل على ذلك.
حرب حزيران ليست إلا حلقة من حلقات العدوان الإمبريالي الصهيوني، الذي يستهدف أمتنا العربية، لكن الأمة وقوى التحرر العربية لم ولن تستسلم ولا تزال مستمرة في صمودها وثباتها في الدفاع عن الأمة العربية وحقها في تحرير أرضها واسترداد قرارها ونهوضها.