مقالات

فـي حضـرة الأعياد.. رانيا لصوي

لفت يديها إسوارة كعك من سميد وتمر حولها أطفال يلهون بقطعة عجين سرقوها خفيّة عن عينها أو هكذا يظنون.. معها تلك الموشحه بعقدٍ ثقيل يتوسط صدرها صليباً من ذهب تمد لها يد العون، فما عُرف بكعك العيد بجوهره هو فرح العيد وأجمل مافيه أن تتفاخر الجارات بعدد يتزايد من المتعاونين والناصحين والمتفاخرين كلٌ بطريقتها في صناعته.. وأيها تصنعه أفضل.. تلك المبارزات العطره وماحولها من ضحكات تسابق علُّـوها تكبيرات العيد وتهليلاته.
وبعد صلاةٍ مفترجة فيها الأطفال والكبار كان يوما آخر للعيد.. هناك عند شجرة الحياة كانو ذاتهم وبذات الأرواح والضحكات يضعون الأجراس، يعلقون مفاتيح الحياة على الأغصان، ينثرون نجمات ميلاد مجيد.. يتشاركون هدايا ذاك القديس وينتظرون مروره من هنا أو صعوده هناك.. أجمل الأعياد تلك التي تعُم فرحها في الجامع والكنيسة، تتخالط فيها تهليلات العيد ودقات أجراس الكنائس.. أجمل الأعياد تلك التي تتشارك الأسواق فيها فرحاً ويتشاركون هم فيها رحلة التسوق واقتناء أجمل الملابس، تلك الفرحة ليست من نسج الخيال، بل هي أجمل الأيام التي اعتدنا عليها نسيجا واحدا وأهلا لم نعتد أن نختلف عنهم..
تلك الأعياد والأفراح كان يخلوها فكراً مشوه سكن عقولنا بأدوات موجهة و عولمة ندفع ثمنها من نسيجنا الاجتماعي الأصيل.. كانت مرحلة تخلو من الطائفية والتكفير والتشكيك، يزينها الحب والتكافل الاجتماعي الحقيقي.
تبادل التهاني بالأعياد بيننا ونحن سكان حي واحد وشارع واحد وبلد واحد.. لم تكن تنتظر فتوى ولا تشريع، ولم تكن تحتمل بذات الوقت التأويل.. كانت كمن يلمح جاره صباحا فيبادره الكلام ويتمنى له يوم سعيد.. أو يتفقده في وجعه فيكن معه أخ وصديق.
الديانات لم تتغير، والنصوص الكريمة هي ذاتها .. ونحن ذاتنا، ماتغير هو ما زُرع في عقولنا من تشويه وما أراد أن يفرقنا، من وجد في اتحادنا قوتنا وفي تكافلنا عزتنا، فزرع بيننا سرطانا من طائفية وخزعبلات تبعدنا عن أنفسنا، لا بل تعدى الأمر ذلك، فأصبحنا نقتل باسم الدين، وننهي حياتنا بايدينا وبقرارنا ونقنع أنفسنا بأننا مقتنعين.
دورنا.. أن كفانا تفريق.. فلنسعد بأننا شعوب واحدة تنطق لغة واحدة وتحمل ثقافة واحدة على أرض عروبية واحدة وحضارات تفوق عقول من فرقنا.. وكفى بذلك أسبابا للتوحيد..
دمائنا على بعضنا حراماً .. واختلافنا لن يكن سبب خلافنا.. فأجمل مافي البحر اختلاف أمواجه رغم أنها في المدى واحدة.. وأجمل مافي السماء نجومها رغم أنها في القرب بعيده.. وأقوى مافينا نسجينا الواحد وترابطنا .. وأن يبقى الوطن العربي كافل وحدتنا..
ترتيلٌ للعيد .. بميلاد مجيد.. تقرع أجراسها في جامعٍ فتردده مأذن الكنائس… قالها أحمد شوقي:
كنيسةٌ صارت الى مسجد … هدية السيدِ للسيد..
كانت لعيسى حرماً فانتهت … بنُصرةِ الروحِ الى أحمد..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى