مقالات

غابت الأحزاب.. وداعش وحده الذي استفاد من الإعلام/ بقلم: حاتم الشولي

هكذا كانت البداية

أبدى العالم استغرابه الشديد من الأعداد الهائلة التي تعلن تأييدها لتنظيم داعش الإرهابي، لا سيما تلك الأعداد القادمة من أوروبا إلى سوريا، حيث لم يكن للتنظيم الإرهابي أي تواجد هناك مع انطلاق أعماله الإرهابية وتوسعه في سوريا والعراق.

والأكثر، سمعة التنظيم السيئة والتي لم تحظ بأي دعم دولي أو حتى على مستوى الأحزاب المتنوعة وحتى الدينية والمتطرفة منها، لتبدأ دراسة أوروبية على مستوى عالٍ من البحث والتدقيق لإخراج الوسيلة السحرية التي انتهجها التنظيم الإرهابي لمعرفة سبب تفوقه وذياع صيته بهذا الوقت القصير وذو التأثير الكبير، على مدى شهور استخدمت فيها كل أساليب البحث وأكثرها تطوراً، توصلت الدراسة إلى النتيجة السحرية أخيراً، وكانت كلمة واحدة! هي الإعلام.

الإعلام الحزبي .. كان أساس التطور

داعش الإرهابي ومنذ نشأته، حدد وسائل انتشاره، واختار الوسيلة الأسهل والتي تعتبر أساس العمل الحزبي، وهي الإعلام، فبث الملايين واستقطب المتمرسين وأنفق على المخرجين والمصممين ليروج لنفسه بطريقة هوليوودية صدمت العالم، استغل داعش الإرهابي في شهور الإعلام ليصل إلى العالم، والأحزاب العربية بسوادها الأعظم تصدر صحفها، وبياناتها على مدى عقود، لكنها لم تصل إلا إلى أعضاء الحزب الواحد وبعض غرف الأجهزة الأمنية المعنية.

استغل التنظيم وسيلة تاريخية لدى الأحزاب والتيارات السياسية، الإعلام على اختلاف أشكاله، فداعش الإرهابي من حارات حماة وحلب أصدر منشوراته ليقرأها سكان العالم في أروربا وأمريكا وروسيا والذين يجلسون على مقاهي وسط البلد في عمّان، وذهب لأكثر من ذلك حين استخدم أكثر من لغة وأكثر من أسلوب لإيصال أفكاره التي كان الهدف منها دوماً هو الترهيب، حيث لم يستخدم داعش الإرهابي يوماً الترغيب في بياناته العالمية، إلا تلك التي تدعو لاستقطاب عناصر جديدة من خلال بث رسالة الترغيب بمكافأة الشهادة والجنة والحور العين.

مواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر في يومنا هذا، مواقع التواصل الاجتماعي هي أكثر شكل متطور للإعلام، وأكثرها انتشاراً وتوسعاً في العالم، تنظيم داعش الإرهابي كان فكره أبعد من وسائل الإعلام التقليدي، فأنشـأ صفحاته المنوعة على “الفيسبوك” ونشر ملايين الحسابات على “تويتر” وأطلق العديد من القنوات على “اليوتيوب”، إلى أن قامت هذه المواقع وبأمر من الدول الكبرى بإغلاق كل ما يتعلق بالتنظيم الإرهابي، فبدأ تويتر بإغلاق آلاف الحسابات الداعشية يومياً،  وفي المقابل كانت تظهر حسابات جديدة! وذهب الأمر أخيراً إلى أن قام جيش داعش الإرهابي الإلكتروني بتهديد “جاك دورسي” مؤسس تويتر ومن معه بقتلهم جميعاً إذا استمروا بإغلاق حسابات داعش الإرهابي، وهذا دليل كبير على أن التنظيم يعتمد بشكل أساسي على الإعلام الإلكتروني ويعتبره نقطة قوة أساسية في وجوده.

الإصدارات الإعلامية الأكثر متابعة

الأحزاب السياسية في معظمها تنشىء مواقعها الإلكترونية التي يخيل للمتابع أنها باللون الأبيض والأسود بسبب سوء محتواها الذي يعتمد على التنظير وسرد الروايات التاريخية وحياة الزعماء الأوائل للأحزاب، وبعضها يدفع الأموال لاستقطاب الجماهير ولا ينجح، فيما يعمل تنظيم داعش الإرهابي على نشر مجلته الإلكترونية “دابق” على موقع إلكتروني يكون قد أطلق منذ دقائق لتجد أعداد قرّاء الموقع فاقت أكثر من 12 مليون في أقل من ساعة، ويطرح السؤال التقليدي: لماذا ينجح داعش في ذلك ولا تنجح الأحزاب السياسية؟ باختصار لأن داعش الإرهابي ذكي ويتعامل مع الإعلام على أنه وسيلة أساسية لانتشاره، فبدل المصمم الواحد هناك مصممين منهم من يختار الألوان وآخر يختار “الانفوجرافيك” وهناك مونتير خاص يقوم بمونتاج المادة، ومحررون بكل لغات العالم الأساسية.

أما المواد الفلمية، فلا يمكن وصفها في حيز ضيق، داعش الإرهابي لا يصور مادة فلمية وحسب، إنه ينتج عملاً فنياً لإقناع المتابع، زوايا الكاميرا، تحرك المقطع، دقة وضوح الصورة، المؤثرات السمعية، وغيرها الكثير الكثير لا يمكن للتنظيم أن ينساها ولو للحظة، فترى ما ينشره من فيديوهات عالية الدقة لا يمكن أن تكون إلا إنتاجاً هوليوودياً فيه أكبر مزايا الإنتاج الناجح.

وصل الإرهابيون إلى أصل الفكرة، الإقناع قبل تقديم المادة، في الإعلام يكون الذكاء ليس فقط في تقديم مادة، بل في كيفية تقديمها، وكيفية صناعة شكلها، لكي لا تدع للمتابع أي ثغرة هنا أو هناك لتشتيته أو إخراجه من الفكرة، وهذا الذي لم تستطع الأحزاب السياسية تطبيقه بعد.

الإعلام، سر النجاح والاستقطاب

لا شك أن داعش الإرهابي اعتمد على الإعلام، ومن المؤكد أن الإعلام من المرتكزات الأساسية والرئيسية التي نما التنظيم على إثرها وتطور، ولذلك يعمل جاهداً على تطوير مهاراته الإعلامية، فيما تبقى معظم الأحزاب السياسية تنظر من بعيد على إنتاج داعش الهوليودي، ولا تتحرك ولا تفكر فيما إذا كانت قادرة على تسويق نفسها إعلامياً، ولا تفكر فيما إذا كان الإعلام هو الخيار الأكبر الذي لم تستغله بعد في طرح أفكارها للجماهير، الأحزاب السياسية تملك قدرات وطنية وشباب واعي ومثقف الكترونياً لديه ما يكفيه لإنتاج الإبداع الوطني، لكن يبدو أننا بحاجة إلى رؤية حقيقية للتطوير.

الإعلام أصل الحكاية، ومعظم أحزابنا السياسية لا تحب سماع الروايات، وتكتفي بسردها فقط.

*صحفي، أخصائي في الإعلام الإلكتروني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى