عن هستيريا الجموع بقلم: محمد فرج
زاوية دانتيلا
يعتقد الكثيرون أن مبررات الاجتماع الإنساني تنطوي على عدد كبير من الأسباب والنتائج والشروط، السلطة المركزية اللازمة لذلك، وأدواتها الإعلامية، والروابط العاطفية الناشئة بين الأعضاء “سيكولوجيا الجماهير”، والفعل المشترك للمجموع، ومصلحته الجماعية، وترحيل العنف من الفرد واحتكارها في المجموع “السلطة”. هذا نقاش كبير يعبر مساحات الفلسفة والميثولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس. وليس نقاش الاجتماع الإنساني بعمومه هو موضوعي هنا، إنما نقاش السيكولوجيا الجمعية التي تضم هذا الاجتماع، معالم “الجمهور النفسي” التي تعرف طريقها إلى كل عضو من أعضاء الجمهور، وليس على حدا. وهذا ما تناوله غوستاف لوبون من خلال مناقشته لعجز إرادة الفرد نفسه عن تسييره هو في ظل طغيان شعور الجمهور العام والشامل، ذلك أشبه بما يمكن تسميته “الهستيريا الجماعية”.
ووصفها بالهستيريا لا يعني أبداً تصدير الشعور النافر منها، فهستيريا الجموع تعني أكثر ما تعنيه الشعور الشامل للجمهور، الشعور العام الذي يسيطر على الثوار أو المستهلكين أو جماعات التكفير والقتل أو الطبقة العاملة. فلكل من تلك الفئات شعور عام وشامل، تتم عمليات إدارته وإنتاجه من قبل فئة أقلية، التي تتمثل رجال الدين أو قادة الثورات أو المخططين الإستراتيجيين للأسواق أو رجال الأعمال.
ثورة العبيد التي قادها سبارتاكوس، الثورة البلشفية التي انتصرت في روسيا وأسست التجربة الاشتراكية الأعمق في القرن العشرين، وجموع المستهلكين، ضحايا قصف الصورة المتكرر وسياسات التسويق “تشجيع الحرمان”، والكوكلوكس كلان في الولايات المتحدة الأمريكية، وداعش والنصرة، والحشود التي تجمعت في الشوارع في الربيع العربي، جميعها تخضع لفكرة “الجمهور النفسي” أو “الهستيريا الجماعية”، وهذا لا يجعل منها حشوداً متشابهة وإن تشابهت في احتوائها على شعور عام وشامل.
هذه الولادة لهذا الشعور الجماعي إنما تهز من العمق آراء فرانز فانون في التثقيف الكامل للمسحوقين، وتهز آراء كثيرة لمنظر البنية الفوقية، أنطونيو غرامشي. وتنتصر لفكرة ألتوسير القائلة باستحالة التغيير الكامل للوعي الشعبي من خارج أطر السلطة ومؤسساتها الأيديولوجية، بوصفها مؤسسات ليست للتثقيف الشعبي فقط، وإنما لإنتاج وإدارة الهستيريا المتطابقة مع البرنامج السياسي.
لقد كُسر ظهر الكثير من الثورات والانتفاضات الشعبية بموجب غياب نخبة تقدم الحد المطلوب من التثقيف العام، وتنتج الشعور العام الشامل وتديره، وفي المقابل توسعت تيارات قتل على الهوية بموجب نجاحها في تغذية و إنتاج وإدارة “الهستيريا الجماعية”.