مقالات

عن غزة ، حنين ورصاص  / محمد كناعنة

حنين معلق هناك على حدود الاشتباك المفتوح ، أسلاك شائكة ورصاص وحلم يكبر مع كل صرخة وحريق كاوتشوك وسحابة سواد في انتفاضة العودة  المضمخة بدماء الشهداء وتضحيات أهل غزة ، غزة العزة التي تخوض اليوم معركة الكرامة نيابة عن الكل الفلسطيني في ابداعها الجديد والمتجدد دائما في مواجهة صلف الاحتلال واختلاق أساليب نضالية خلاقة مكملة مسيرة من مضوا على درب العودة .

إن مسيرة العودة الكبرى والتي أعلن عن انطلاقتها في الثلاثين من آذار من قبل تنسيقية غزة لمسيرة العودة الكبرى التي ستتوج في الخامس عشر من ايار بمليونية العودة على حدود فلسطين كل فلسطين ،  وهو اليوم الفاصل في مسيرة الشعب الفلسطيني لما للأرض من رمزية توحد هذا الشعب العظيم بمختلف انتمائاته وعلى مختلف ساحاته المنتشرة في بقاع الأرض فيوم الأرض أيضا فيه من الجامع في جوهر الصراع مع الحركة الصهيونية وأدواتها ، صراع على الأرض كل الأرض الفلسطينية ، صراع على الوجود على هذة الأرض بما يعنيه هذا الوجود من استقلال وحرية وسيادة وحتما العودة هي رأس الحربة في هذا الصراع، صراع على الرواية التاريخية، هذه الرواية التي سعت الحركة الصهيونية على تزيفها وتحريف الحقائق التاريخية منذ ما قبل وعد بلفور من قصص وروايات ثيودور هرتزل التي حاول أن يوهم الغرب من خلالها بأن هذه البلاد العامرة بأهلها ، هي بلاد قحط وجهل وخراب ويباب حين وصف رحلته المشؤومة الى فلسطين وصولا إلى مقولة المأفون اللورد آرثر بلفور في وعده المشأوم ( أرض بلا شعب كشعب بلا أرض) .

في ظل الانقسام الفلسطيني وبالرغم من الحصار المتواصل لأكثر من اثنى عشرة عاما ولأنه الحصار كان لا بد لغزة أن تحاصر حصارها وقامت ، حقا قامت غزة لتقول بأن لا بدّ من كسر الطوق ، طوق حصار الفكرة واعادة الاعتبار للحقوق والثوابت، هذه الثوابت التي تمثل ليس فقط الحق التاريخي والكل الفلسطيني وانما تعيد الاعتبار لمعنى الحياة لهذا الشعب العظيم الذي قدم  على مدار أكثر من مئة عام تضحيات جسام على هذه الطريق، طريق الحياة، من شهداء وجرحى وتحمل عذابات  التشريد واللجوء والمجازر البشعة والتطهير العرقي الذي مارسته وما زالت المؤوسسة الصهيونية بدعم مباشر وغير مباشر من الامبريالية العالمية  والقوى الرجعية وانظمة الخيانة في الوطن العربي في حضائر سايسبيكو .

مليونا انسان يعيشو في غزة في حصار خانق وضنك من العيش بات قاتلا للحياة فقر وجوع وبطالة تصل لأعلى المعدلات لغالبية الناس هناك ، اغتيال للأحلام الصغيرة والكبيرة فكان خروجهم إلى حدود وطنهم المنزوع منهم قصرا وقهرا والمزروع فيهم عشقا حدّ الموت، نعم ومن أجل هذا أيضا خرجوا  ورغم كل التحليلات والتحذيرات الصادقة بنواياها أو الخبيثة بأن هذة المسيرات وهذا الأسلوب هو ” موت بالمجان” ،فقالت غزة لا شيء اسمه موت بالمجان ، خرجت عن بكرة أبيها ،اطفالها يذهبون عُزل  الى السياج الذي يفصلهم عن قراهم ومدنهم ،عن حكايات آبائهم واجدادهم في هذا الحيز المغتصب ، عُزل يواجهون القناصة ، صدورهم عارية  إلا من أسماء تلك القرى والمدن وفيض من حنين إليها ، ليس موتا بالمجان ولا عبثا ذاك الاسلوب الذي تخطى القيادة والقادة وأحضرها إلى معمعان معركة  تعري قصور بعضهم ونكوس البعض الآخر ومسؤولية البعض عما آلت إليه غزة والقضية وحال الشعب برمته. وخرجت بعض الأصوات تتباكى على البيئة وثقب الاوزون وكأن البيئة أهم من الانسان وكأن ثقب الأوزون أهم من ثقب في السياج يعيد الأحلام إلى موطنها الأصلي ، إلى منبتها إلى مبعث الرغبة في الحياة ولو كانت حد الموت على حدِّ السيف فثارت غزة وتحدت الاوزون عل هذا الثقب يتسع قليلا لينظراليهم  من عليائه من يجلس هناك على كرسي العرش ويحاصرهم.

ورغم أن هذه المسيرات بحسب اعلان منظميها هي مسيرات شعبية وسلمية، وهي فعل شعبي مُقاوم مُكمّلًا وليس بديلًا لأي شكل من أشكال المقاومة المشروعة والتي مارسها شعبنا وقواه الحيّة على مدار عقودٍ خَلَت، إلا أن قناصة الاحتلال وقادته المجرمين جابهوا الأطفال العزل وجابهوا الكاميرات التي توثق الحدث وتنقل الصورة الى العالم بالرصاص الحي بفعل جبان وارهاب نازي جديد فقتلوا الأطفال واستهدفوا الصحافين  وأصابوا المئات باصابات بالغة في تصرف ونهج ليس بغريب على جيش كيان قائم أصلا على القتل والمجازر وسفك الدماء .

مسيرة العودة الكبرى إلى حدود فلسطين ستتوج في الذكرى السبعين للنكبة في الخامس عشر من آيار القادم بمسيرات شعبية من كل حدود الوطن المغتصب ومن الداخل  وعلى أرض القدس ليس فقط لتسلط الضوء على حق العودة ، هذا الحق الذي لن يسقط لا بالتقادم ولا بالتفريط بل هو في مسعى حقيقي من أجل تحقيق العودة هذا الشعار المرتبط بجوهر القضية الفلسطينية وبالتحرير كفكرة ملازمة للعودة في مشروع واحد لا تنفصم عُراه .

محمد كناعنة أبو أسعد

عرابة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى