عن إستقالات التنفيذية والصراعات على وراثة أبو مازن/ بقلم: راسم عبيدات
المشهد السياسي الفلسطيني يشهد تحركا وانزياحات وتطورات سلبية كثيرة،وما يميز ذلك حالة من الإرتباك و”التوهان” وفقدان الإتجاه والبوصلة،وكذلك الجري بشكل سريع وكبير نحو الكارثة وتأبيد وشرعنة الإنقسام،فحماس بمشاركة اطراف عربية وإقليمية ودولية ماضية في مشروعها السياسي، والذي لن ينتج اكثر من اوسلو (2)، والضفة الغربية ما ينتظرها تقاسم وظيفي مدني ليس اكثر بعد ابتلاع أغلب مساحتها،وتهويد القدس بشكل كامل بحيث يصبح اهلها جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع.
التسريبات حول إستقالة الرئيس ومن ثم التسريبات عن استقالة التنفيذية، سبقها خطوات أقدم عليها الرئيس، بإقصاء ياسر عبد ربه من موقعه كامين سر للجنة التنفيذية،في خطوة فردية دون موافقة عليها من التنفيذية حتى عبدربه نفسه سمع بالقرار من وسائل الإعلام ولم تتح له أي فرصة للإعتراض او المناقشة أو الإستماع لوجهة نظره،واتبع الرئيس ذلك بقرار بإغلاق مؤسسة” تحالف السلام” على اعتبار انها مؤسسة تمارس التطبيع…!!،وهذه خطوة ليس لها أي علاقة في مقاومة التطبيع،ففي رأس سلم الهرم القيادي هناك من هم مطبعون اكثر من عبدربه،ولكن تطبيع محمي ومرضي عنه الان …؟؟ وكذلك جرى بنفس الطريقة تعيين صائب عريقات بدلاً منه كامين سر للجنة التنفيذية،في قرار أجج من حدة الصراعات والخلافات الفتحاوية بين اجنحتها وتياراتها المختلفة،منهم من هم طامحين بهذا المنصب،ومنهم من هم طامحون بخلافة الرئيس،ومنهم الطامحون لعضوية التنفيذية.
التسريبات عن نية الرئيس تقديم إستقالته لها اكثر من مصدر اسرائيلي وعربي وحتى فلسطيني،وكذلك الحديث عن لقاءات ومشاورات اسرائيلية وعربية واقليمية ودولية حول من سيخلف الرئيس عباس،والسيناريوهات تركز على منهم قادمون من خلفية امنية اكثر من الذين عملوا في مواقع ومراكز سياسية،وأغلب هذه التسريبات تستبعد القائد الفتحاوي الأسير القائد مروان البرغوثي،على اعتبار أنه توليه للرئاسة،قد يخلق تغيرات ومعادلات جديدة لا تقبل بها لا اسرائيل ولا المحور العربي- الإقليمي- الدولي المساند لها.
لا احد يجادل او مقتنع بوجود مؤسسات وهيئات فلسطينية تتخذ القرار او ترسم استراتيجات،لا على مستوى المنظمة ومؤسساتها من اللجنة التنفيذية وانتهاءا بالمجلس المركزي،ولا السلطة من رئاسة الوزراء والوزارات،ولا التشريعي المعطل بفعل الخلاف السياسي والإنقسام،ولا حتى مركزية فتح،فعدا انتهاء الصلاحية الدستورية والقانونية،فهي أضحت مجوفة لا تمتلك الصلاحيات لا بالقرار ولا بالقدرة على التنفيذ.
هذه الخطوات التي يجري الحديث عنها إيجاد “البدائل” وبناء المؤسسات وتجديد “الشرعيات” يفترض أن تكون ثمرة لمراجعة عميقة ومطولة للمرحلة والحقبة الفائته،تحدد مكامن الخلل في القيادة والمسيرة والفعل والإنجاز،ومن المسؤول عن ذلك، وما حدث او تحقق من “إنجازات” حقيقية وليست وهمية او صورية،فلا اعتقد الان بأن مرحلة فشل فيها خيار ونهج المفاوضات فشلاً ذريعاً،وثبت فيها بان الحياة ليست مفاوضات،بل صمود ومقاومة “المقاطعة الدولية المتنامية والمتسعة لإسرائيل دولياً”،إنتصارات أسرى الإعتقال الإداري الشيخ المجاهد خضر عدنا والمحامي محمد علان نموذجاً،فتلك المرحلة ما يميزها “تغول” و”توحش” في الإستيطان،وإنسداد أفق العملية السياسية،في ظل حكومة اسرائيلية يمينية متطرفة،ترفض الإعتراف بأية حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين لم يعد له أية حظوظ او فرص،ناهيك عن ان الحالة الفلسطينية في أسوء مراحلها إنقسام،وتسابق على المشاريع والمكاسب الفئوية والصراع على سلطة منزوعة الدسم.
يفترض بان خطوة كبيرة ومفصلية كهذه تأتي كنتاج لجهد عميق وحوارات مطولة تشارك فيها كل مكونات ومركبات الشعب الفلسطيني سياسية ومجتمعية وشعبية داخل فلسطين وخارجها،لأنه سينبثق عنها مؤسسات المنظمة،ولكن خطوة اعادة بناء تلك المؤسسات وايجاد “البدائل” و”الشرعيات” سيكون وفق مقاسات معينه،وبما يكرس من حالة الإنقسام ويضرب وحدة المشروع الوطني،ويلغي أي إمكانية مستقبلية لقيام وحد ة بين جناحي الوطن.
وحسب وجهة نظري بأن السيناريوهات المتوقعة لما بعد الرئيس واعادة تشكيل المجلس الوطني،لا تدفع على الإعتقاد بأننا سنكون امام انعطافة وانطلاقة نوعية،فأعضاء المجلس الوطني الجديد،الغالبية منهم سيجري تعينهم ب”المحاصصة” بين الفصائل أومن هم يتربعون على رأس هيئات ومؤسسات واتحادات وهمية وشكلية او غير فاعلة،والحجة ستكون عدم القدرة على اجراء الإنتخابات في أغلب الدول العربية،والصحيح عدم بذل جهود حقيقية وجدية لإجراء هذه الإنتخابات،ناهيك بأن العديد ممن يسمون قادة ويغتصبون قيادة الشعب الفلسطيني لا يحظون بثقة تنظيماتهم واحزابهم،او ان شعبيتهم لا تتعدى شعبية وحضور مختار حارة في قرية صغيرة،ولكن سيبقى قائداً شاء من شاء وأبى من أبى.
إننا نتجه نحو كارثة حقيقة جداً ستشهد تفككاً للمشروع الوطني،تكريساً للإنقسام،فما يجري وبخطوات سريعة غير مدروسة ومحسوبة النتائج الى إعادة تدوير نفس الطبقة السياسية الفلسطينية “الجهذبية” والألمعية ذاتها،وهي المسؤولة بشكل مباشر عن الأزمة البنيوية لمشروعنا الوطني ولفصائلها واحزابها، ناهيك عن ان هذه العملية “التجديدية” وبناء” الشرعيات”،لا تلحظ ولا تأخذ بعين الإعتبار المتغيرات السياسية والمجتمعية التي طرات على الواقع الفلسطيني،فالواقع يقول بأن الشباب الذي ولد في جيل الإنتفاضة أو ما بعد اوسلو،والذي نشهد له بقيادة العديد من التحركات الشعبية والجماهيرية وطنية ومجتمعية،سيكون خارج إطار تلك التشكيلاتالمتشكلة وهذا سيعمق حالة فقدان الثقة بين المنظمة الجديدة وقياداتها وبين الشباب،والذين هم احق واجدر بان يكونوا في مواقع قيادية،بدل من الذين يقودون او يقفون على رأس تنظيمات دثرها الواقع.
المهم هنا قوله كذلك غياب الرئيس عن المسرح السياسي سيكون له وسيترك الكثير من الإرباكات والفراغ،وخصوصاً بأن وضع حركة فتح كقائدة للمنظمة والسلطة ليس على ما يرام،حيث المحاور والصراعات بين اجنحتها ومحاورها المختلفة،ولا يوجد شخصية “كاريزماتية” يجمع عليها الفتحاويين لخلافة الرئيس،وخطوة بناء مؤسسات المنظمة ستحمل المزيد من التدمير والتفكيك في الوضع الداخلي الفلسطيني لجهة تكريس الإنقسام،ومخاطر تصفية المشروع الوطني والقضية برمتها.