عنف مجاني وسؤال حائر! / ماجد توبة
ثمة لوثة عنف تسري كالوباء بين الأردنيين، تحاول أن تفسرها أو أن تضعها في سياق الطبيعة البشرية التي تسري أحكامها على باقي الشعوب والبشر، فتجد نفسك وقد بالغت، واعترف بذلك، بالقول إن الحالة الأردنية على هذا الصعيد “غير شكل”، وحتى عنفنا مميز عن غيره، ويثير الحنق والاستغراب.
نعم، وبحمد الله، تهون حالتنا بملايين المرات عن حال شعوبنا الشقيقة حولنا، التي تغرق بالدماء وانهيار القانون ومؤسسات الدولة، والقتل على الهوية والانتماء الطائفي والديني والخلاف السياسي. لكن “كل واحد وهمه على قده”، على رأي المثل الشعبي، ومتابعة ما يحيطنا لا يقلل من همنا، على هذا الصعيد.
ما يميز عنفنا ووباءه، كما أعتقد، أن أغلبه يمكن تسميته بـ”العنف المجاني”، يأتي أغلبه بلا تخطيط ولا ترصد، بل وبلا أسباب حقيقية أو جوهرية. وهو عنف ليس قاصرا على الفعل المادي، بل يتجاوزه إلى حالة عنف أسميها “ثقافية” تجاوزا، تظهر في التعبير عن آرائنا السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، وأيضا في مداولاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي والإلكتروني، وفي جلسات النميمة والغيبة المستشرية بين النخب قبل العامة.
ليس إلا رأس الجبل الجليدي من مركب العنف “الثقافي” المستشري في حياتنا اليومية، ما نقرؤه مع صبيحة كل يوم، عن إصابة ثلاثة أشخاص بإطلاق نار من قبل مخمورين في ضاحية الرشيد، أول من أمس؛ أو إرداء سائق بالرصاص من قبل سائق آخر على دوار المدينة الرياضية قبل أيام، لمجرد تزاحمهما بالسيارات؛ أو قتل جار لاثنين من جيرانه على خلفية “طوشة أولاد”!.. ولا ولا.
إطلاق نار يومي “على الفاضي والمليان”، في الأفراح والطوشات، ومشاجرات جماعية قد تطال العشرات والمئات، وتنتهي في كثير من الأحيان بقتلى وجرحى، وجلوات. وتراشق يومي لشتائم متطايرة عبر زجاج السيارات.
كل ذلك، وأكثر، بات مشهدا يوميا في حياتنا. لكن ذلك ليس إلا رأس الجبل الجليدي للقضية؛ فالجزء الأساس من الجبل، تتعرف عليه في مداولاتنا في منابر التواصل الاجتماعي، ومواقعنا الإلكترونية، بما تحفل به من ثقافة الكراهية، وعصبيات وهويات فرعية، واغتيال للآخر. وتتعرف عليه أيضا في شيوع وترسخ ثقافة عدم احترام الآخر في حياتنا اليومية، والتجرؤ على المرافق العامة وعدم الاكتراث، إن لم نقل استباحة، المصالح العامة وحقوق الآخرين، عند حضور المصالح الخاصة.
وحدث ولا حرج حول الأزمة الأخلاقية والضميرية التي تلمسها يوميا، عندما تراجع مؤسسة رسمية أو غير رسمية، حيث التهرب من الالتزام بالوظيفة ومتطلباتها، و”فهلوة” التعطيل لمصالح البشر، وغيرها الكثير من مظاهر اجتماعية وسلوكية، يفاقم وطأتها تراجع هيبة القانون، وعدم إنفاذه في العديد من الحالات.
نعلم أن ثمة أسبابا وأبعادا اقتصادية ومعيشية واجتماعية ضاغطة على المزاج العام للمواطن الأردني، هي ما يقف في خلف المشهد العنفي المنتشر. لكن، هل يمكن لذلك وحده أن يفسر هذا الكم من العنف المجاني، وطبيعته؟! بصراحة، لا أعتقد ذلك، وأعتقد أن أغلب الأردنيين يطرحون، مثلي، في آخر نهار كل يوم ذات السؤال: ما الذي جرى لنا؟!