عندما یعارض الاقتصادیون لا السیاسیون!
رغم أن القرار یفترض أن یصب في صالحھم، كما ادعت الحكومة، فإن المعارضة الأوضح والأقسى لقرار الحكومة ووزارة الصناعة والتجارة بإیقاف استیراد 194 سلعة من سوریة بدعوى ”حمایة القطاع الصناعي الأردني“، جاءت من القطاع الصناعي والتجاري الأردنیین، حیث فندا في بیانات رسمیة، كان آخرھا أول من أمس بیان رئیس جمعیة رجال الأعمال الأردنیین حمدي الطباع ھذه الحجة الحكومیة، بل وأكدا أن القرار یضر بالصناعة الوطنیة والمستھلك الأردني!
لن نناقش ھنا الاعتراضات السیاسیة والشعبیة على مثل ھذا القرار الذي یعكس ”فرملة“بالاندفاع لتعزیز العلاقة الاقتصادیة والتجاریة مع سوریة، ونكتفي باعتراضات وتحذیرات القطاع الخاص الأردني الصناعي والتجاري والزراعي، وربما لاحقا باقي القطاعات الاقتصادیة، التي یفترض بالحكومة أنھا تدعمھا وتیسر السبل والسیاسات والاتفاقیات لتنشیطھا وتحریكھا لتحقیق النمو الاقتصادي وتشغیل العاطلین عن العمل.
یقول الطباع في بیانه أول من أمس إن العدید من السلع السوریة المشمولة بالقرار ”لا تصنع في المملكة ولا یوجد لھا بدیل سوى دول أخرى، منھا السلع الزراعیة غیر المصنعة، ومدخلات الانتاج التي یمكن للصناعیین الحصول علیھا بأسعار تدعم الصناعة الوطنیة، وأن الاستیراد من الدول الأخرى لتلك السلع سیؤدي إلى ارتفاع أسعارھا محلیا وبالتالي على المواطن الأردني“. إذا، فـ“فلا یفتى ومالك بالمدینة“ وأھل الصناعة والتجارة أدرى بشعابھا، لیتبینوا الضرر الذي یلحق بصناعتنا وتجارتنا الوطنیة جراء مثل ھذا القرار.
المشكلة الأكبر التي لم یتطرق لھا قرار الحكومة ولا بیانات القطاعین التجاري والاقتصادي ھي في أن مثل ھذه القرارات یمكن أن تدفع الحكومة السوریة، ومن باب الحرص على مصالح بلدھا، إلى تضییق باقي مجالات التعامل والتبادل الاقتصادي مع الأردن، وربما یكون على رأس ذلك مساھمة شركاتنا الوطنیة ومنتجاتنا في عملیات إعادة الإعمار لھذا البلد الذي دمرته الحرب، وھو مقبل على عملیة إعادة إعمار واسعة خلال السنوات القلیلة المقبلة، ویفترض أن یكون نصیب الأردن، بحكم القرب والجوار والجدوى الاقتصادیة، وافرا من ثمار إعادة الإعمار.
ویبدو أن السبب الواضح لمثل ھذا القرار الحكومي بمنع استیراد ھذا العدد الواسع من السلع السوریة، رغم الحاجة لھا محلیا كما یقول الصناعیون، لیس سببا اقتصادیا أو تجاریا، بل سبب سیاسي، حیث لم یعد خافیا ما تضغط باتجاھه الولایات المتحدة الأمیركیة من وقف الاندفاع التجاري والاقتصادي الأردني باتجاه سوریة رغم ما یوفره ذلك من مصالح اقتصادیة أساسیة للمملكة وحاجتنا وطنیا للاستفادة من مرحلة إعادة الإعمار، ورغم ما یعانیھ الاقتصاد الوطني من ركود وبطء في النمو وازمات خانقة، وحاجته لأي منفذ لتحریك الاقتصاد.
ھذه الضغوط الأمیركیة كانت واضحة بعدما تسرب من لقاءات الملحق التجاري الامیركي بفاعلیات اقتصادیة وتجاریة أردنیة قبل أسابیع، وما نقل عنھ من تحذیر لھم من التعامل تجاریا مع سوریة. وھي قضیة أثیرت أیضا في مجلس النواب، فیما بقي صدى ھذه التحذیرات والتسریبات معلقا بالھواء بالنسبة للحكومة، التي لم ترد ولم تعلق!
أعتقد أن لا أولویة تتقدم على أولویة المصالح الأردنیة خاصة مصالحھ التجاریة والاقتصادیة مع محیطه العربي. ورغم التقدیر لحساسیة المصالح الأردنیة مع الولایات المتحدة، فإن ذلك لا یعني بحال أن یدافع الأردن عن مصالحھ الاقتصادیة والتجاریة وحقه بطرق كل الأبواب للخروج من عنق الأزمة الاقتصادیة الطاحنة.
وربما كان الطباع قد أصاب كبد الحقیقة على ھذا الصعید، عندما قال في بیانه المذكور أن “الحكومة لم تعد مقنعة بقراراتھا ودراستھا المعدة من قبلھا حول حمایة الاقتصاد الوطني، الذي ما یزال یعاني حالة كبیرة من الركود“، حیث أكد ”أن الشارع الأردني یعي بأن تلك القرارات ھي مزیج بین السیاسة والاقتصاد، والتي یتأثر بھا القطاع التجاري والصناعي على حد سواء“!.