عمال بلا حمایة اجتماعیة.. وانتهاکات بدون شکاوى
"الضمان الاجتماعي" تقدر وجود 220 ألف عامل تنطبق علیھم شروط الاشتراك بدون تحققه
بدا أحمد، الذي یبلغ من العمر 28 عاماً، متفھماً لتحفظات الفتاة التي كان ینوي الارتباط بھا، عندما اشترطت أن یكون مشتركاً بالضمان الاجتماعي حتى یتم الارتباط.
حجتھا، بحسب أحمد، أنه ”عندما نتقدم في السن، قد أمرض، أو قد یحدث أي شيء مفاجئ فلا أعود قادراً على العمل كما كنت في السابق فسیضیع مصدر دخل العائلة“. حجة منطقیة برأیه، ولكنه لا یستطیع أن یطلب الاشتراك بالضمان من صاحب المشغل الذي یعمل به منذ سنتین، لأن أصحاب المشاغل ”لدیھم بدائل كثیرة، لو طالبت بالضمان ببساطة سیستغنون عن خدماتي“.
وبطبیعة الحال، فإن الاشتراك الاختیاري الذي یتحمل كلفتھ الكاملة العامل غیر ممكن بالنسبة لأحمد الذي یتقاضى ما بین 240 و340 دیناراً شھریاً، فیقول ”لو قررت اللجوء للاشتراك الاختیاري، فلن یتبقى من دخلي شيء“.
بحسب تصریحات الناطق الإعلامي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبیحي، فإن مظلة الضمان الاجتماعي تشمل حالیاً 64 % من قوة العمل في المملكة، ویشكل غیر الأردنیین ما نسبته 5.12 % من المشتركین بالضمان فقط، بینما یشكل المشتركون وفقاً لنظام الاشتراك الاختیاري المتاح للأردنیین حصراً ما نسبته 5 % منھم.
وفي المقابل، تشیر تقدیرات المؤسسة إلى وجود أكثر من 220 ّ ألف عامل ممن ینطبق علیھم قانون الضمان الاجتماعي، ولكنھم ما یزالون خارج مظلته و“معظمھم بسبب التھرب من شمولھم من قبل أصحاب العمل“. ویضیف الصبیحي ”قدرت إحدى الدراسات التي قمنا بھا التھرب بما یزید على 14 % من المشتغلین في المملكة تقریباً“.
ویشرح الصبیحي أن ”المنشآت المایكرویة فیھا نسبة تھرب عالیة جدا“، وأنه في الوقت الذي كان شمول العاملین في الضمان الاجتماعي إلزامیاً للمنشآت التي تشغل خمسة عاملین فأكثر في ٍ وقت ٍ سابق، فقد أصبح إلزامیاً لكل المنشآت بصرف النظر عن عدد المشتغلین فیھا وجنسیتھم ً ابتداء من العام 2008.
لم یعُد الاشتراك في الضمان اختیاریاً، ولكنه كذلك في واقع الكثیر من العاملین، ومنھن الثلاثینیة ُ سوسن (اسم مستعار) التي تعمل في شركة حمایة في العاصمة. عندما سئلت إن كانت ترغب في اقتطاع جزء من راتبھا لغایات إشراكھا في الضمان، فضلت سوسن عدم الاشتراك، وذلك لأنھا كانت مشتركة في الضمان في عملھا السابق ولكنھا اضطرت لسحب ضمانھا السابق عندما مرت بـ“ضائقة مادیة“، ولا ترغب في أن تبدأ مشوار الضمان ھذا من الصفر مرة أخرى.
تقول سوسن ”ابني یعاني من تشوه في القلب منذ ولادته ، كنا نذھب لعلاجھ في المدینة الطبیة، ولكن لم نكن نعتمد علیھم كلیاً.. كنا نستدین من ھذا وذاك لعلاجھ في أي مكان“. بعد أن تراكمت الدیون، لم یعُد أحد یساعد سوسن وزوجھا، فاضطرت لسحب الضمان الذي بلغت قمیتھ آنذاك 950 دیناراً منذ سنوات قلیلة.
تعترف سوسن بأنھا خطوة خاطئة، وقد أقدمت علیھا 14 ألف أردنیة غیرھا من أصل 17 ألف أردني حصلوا على ضمانھم دفعة واحدة في العام الفائت وحده، بحسب الصبیحي، ولكن ”لما یكون في ببالك اشي بتنسي كل ھذا الحكي“.
تفكر الیوم بالاشتراك بالضمان، فھل تضحي بالمبلغ الذي سیقتطع أم تستفید منھ في نھایة الشھر؟ تجیب سوسن ”عندما یخبرونني عن الضمان، مثلاً سنخصم منك مبلغاً، أقول لا، بإمكاني الاستفادة من ھالعشرین ثلاثین دینارا“ ولكن ”الضمان یعني اشي مھم“.
من خلال عملھا الصحفي، التقت الصحفیة العشرینیة سماح (اسم مستعار) أشخاصا كثرا یشبھون أحمد وسوسن، وكتبت تقریراً عن عدم شمولھم بالضمان الاجتماعي وانتھاك حق أساسي من حقوقھم العمالیة، ولكنھا ھي ذاتھا، كاتبة التقریر، غیر مشمولة ھي وسبعة آخرون من زملائھا في الموقع الإخباري الذي تعمل بھ في الضمان الاجتماعي! تقول سماح ”نحن كصحفیین نطالب بحقوق غیرنا ولا نعرف حقوقنا“، وتضیف أن لھا زملاء آخرین یكتبون ھم أیضاً بشكل مستمر عن الانتھاكات بحق غیرھم من العمال، ولا یعون أنھم یمرون بالظروف ذاتھا. استخدم صاحب الموقع العدید من الحجج لتبریر تأخیر إدخال الموظفین في الضمان، ولكن في آخر اجتماع لھ مع العاملین في الموقع أقر بصریح العبارة أنھ لا یستطیع تحمل كلفة إشراكھم جمیعاً بأثر رجعي.
لم تقدم سماح أي شكوى بحقھ، فھي من جھة لا ترغب في الاستمرار في عملھا ھذا، ولكنھا تُقر بأن طبیعة العلاقة التي تربطھم بصاحب الموقع تحول دون اتخاذ مثل ھذه الخطوة، فتقول ”إن علاقتنا بصاحب الموقع طیبة جداً وجیدة جداً.. نعامل بعضنا بعضا كالعائلة.. ونحتفل بأعیاد المیلاد سویاً.. لو اشتكى أحدنا سیكون ھناك حساسیات في العمل وھو شخص جید جداً على المستوى الشخصي“.
في مقال نُشر في ”الغد“، اعتبر مدیر مركز الفینیق للدراسات الاقتصادیة والمعلوماتیة أحمدعوض، أن اقتطاعات الضمان الاجتماعي المعمول بھا حالیاً مرتفعة مقارنة مع الحمایات الاجتماعیة التي تقدمھا منظومة الضمان الاجتماعي؛ حیث تبلغ 5.21 % من مجمل الدخل الشھري للعامل.
واعتبر عوض أن ھذه الاقتطاعات تسھم في زیادة نسبة البطالة من جھة، بسبب ”إحجام آلاف المنشآت في القطاع الخاص عن تشغیل المزید من العاملین بسبب ارتفاع اقتطاعات الضمان الاجتماعي التي تعد بمثابة ”ضریبة اجتماعیة“ إلى جانب الضرائب الأخرى“، وتؤدي إلى زیادة في ”التھرب التأمیني“ بأشكاله كافة من جھة أخرى.
ویضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتھ الخامسة والعشرین حق الفرد بالحمایة التي یوفرھا الانضمام لمظلة الضمان الاجتماعي؛ إذ نص على ما یلي: لكل شخص الحق في مستوى من المعیشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاھیة لھ ولأسرتھ، ویتضمن ذلك التغذیة والملبس والمسكن والعنایة الطبیة وكذلك الخدمات الاجتماعیة اللازمة، وله الحق في تأمین معیشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشیخوخة وغیر ذلك من فقدان وسائل العیش نتیجة لظروف خارجة على إرادته.
وبحسب تقریر أممي صدر في شھر آذار (مارس) من العام الحالي، یحصل 68 % فقط من الأشخاص في سن التقاعد، على الصعید العالمي، على شكل من أشكال المعاشات التقاعدیة، وتھبط ھذه النسبة إلى 20 % فقط في كثیر من البلدان منخفضة الدخل.
لا أحد ممن التقینا بھم في ھذا التقریر اشتكى بالفعل إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي، وكثیرون غیرھم یخافون حتى من الحدیث إلى الإعلام حول ھذا الانتھاك، الأمر الذي یتفھمھ الصبیحي ویعتبره ”مشروعاً“ في ظل عجز المنظومة الحالیة عن حمایة العمال. ویقول الصبیحي ”ما أراه ھو خوف من الشكوى، یجب أن یعزز الإعلام فكرة ألا یخاف أي شخص، یجب ألا یضار أي إنسان لمجرد مطالبتھ بحقه. الآن كیف سنحمي الأیدي العاملة؟ ھل قانون العمل یحمیھم؟ ھل نحن قادرون على حمایتھم؟ ھذا سؤال یُطرح على المسؤولین في الدولة كلھا“.
یعترف الصبیحي بأنه ”حتى نحن غیر قادرین على حمایتھم، نحن نشملھم لكن إذا أنھى خدماتھم لا نتدخل بموضوع إنھاء الخدمات، ھذا یدخل ضمن صلاحیات وضمن قانون العمل“ ویعتبره غیر كاف في الوقت الحالي لحمایة العمال المطالبین بحقوقھم، الأمر الذي یفسر إحجام البعض عن التقدم بشكوى.
كما یشرح بأن ھناك قصوراً في التفتیش، فالمؤسسة ”لا تغطي قطاع العمل كاملاً“ وقد تحتاج ٍ إلى عدد أكبر من المفتشین المدربین على التفتیش وإلى التخطیط الأعمق لھ، بحسب قوله. ویضیف ”أن المطلوب لا یقتصر على تأمین الناس بوظائف، بل نرید أن نضمن استمرارھم في الوظائف، ونرید أن نضمن وجود بیئة مناسبة.. كیف سأحفز الأردني على العمل وأنا غیر قادر على توفیر بیئة عمل صدیقة لھ؟ یعني من ناحیة الأجر المناسب، من ناحیة ساعات، عدم الانتھاك، عدم الاستغلال، السلامة والصحة المھنیة والتدریب“.
ویؤكد الصبیحي لنا أنھ ”حتى بالقطاع العام ھناك تھرب.. خصوصاً عند التوسع في عقود شراء الخدمات. حدث توسع غیر عادي ولا یُشمل ھؤلاء بالضمان، ھذا أنا وجدتھ في وزارات وجامعات رسمیة ومؤسسات رسمیة“، ویضیف ”أن المؤسسة استطاعت بعد ما یقارب ست إلىسبع سنوات من ”النضال المستمر“ إدخال بعض ھؤلاء الموظفین في المؤسسات الرسمیة في الضمان، بینما ما یزال المسؤولون في بعضھا الآخر لا یستجیبون لمخاطبات المؤسسة“.
وبحسب تصریحات الصبیحي، تشیر دراسة أجرتھا المؤسسة إلى أنھ ”لولا الدخول التقاعدیة من الدخول الجاریة لأفراد المجتمع الأردنیین لزادت نسبة الفقر بنسبة 7.7 ،”% ویعتبر أن الدولة إن أرادت أن تكسب الثقة بحق، فعلیھا ”عندما تصل شكوى محقة وتوضع في صندوق شكاوى معین، حتى لو كان الكترونیاً ھذا الصندوق، یجب أن نعلن حالة الطوارئ؟ لماذا اشتكى ھذا المواطن؟ عندھا نكسب ثقة الناس وغیر ذلك فھو عبث“.
إلى حین ضمان الحق في الضمان الاجتماعي، وضمان حمایة من یبلغ عن انتھاك ھذا الحق، سیظل عمال كثیرون یفضلون الحدیث بأسماء مستعارة حفاظاً على ما تبقى من فرص!