(عقلنة الدولة العربية) عقل الغرب وقلب الشرق، هل من الممكن عقلنة الدولة العربية؟/ بقلم: محمد فرج
في طريق عودة أوديسيوس إلى إيثاكا، قالوا له، ستعبر جزيرة حوريات البحر، وهناك ستباغتك أصوات الأغنيات، فلا تتبعها، لأنك عندها ستضل طريقك إلى إيثاكا ولن تصل أبداً.
ما كان من أوديسيوس إلا أن ربط نفسه في السارية وأمر رجاله بعدم الاستجابة لأوامره هناك، إلى أن تتلاشى أصوات الأغنيات تماماً.
هل هذا ما فعلته فلسفة التنوير وعقلنة الدولة في أوروبا؟ هل حقاً اكتفت الدولة الأوروبية بعقلها، واستأصلت قلبها؟ هل أخذت الفعل و الحركة وتركت للشرق الكلمة والشعر والأدب وإلهام المناخات المعتدلة؟ هل أنتجت مواجهة الطبيعة الأكثر قساوة الابتكارات التكنولوجية الأعمق، لتعكر لاحقاً صفو مناخات الشرق وتحتجزها في قاعات العمل المكيفة، بتقنيات غربية كذلك؟
يقول البعض أن الطريق الأوروبي لا يروق للعربي، ولكي نتخلص من “تهمة” التخلف، فما علينا إلا أن نغير المسير باتجاه آخر، غير الاتجاه الأوروبي من الخلف. يقولون أن العربي يعجز عن الانتماء لدولة بلا قلب، دولة بعقل فقط، توزع الواجبات وتعطي الحقوق، ومحايدة بعقلانية مفرطة، لذلك فطريقنا مختلف تماماً عما خطه الأوروبيون، ولا معنى عندها لمطاردتهم واللحاق بهم، وعندها تهتز حتى تهمة التخلف من جذورها.
هل من آفاق لعقلنة الدولة العربية ؟ أوديسيوس بنسخته العربية، الباحث عن الدولة العربية المعقلنة، هل يغلق آذانه عن صوت المآذن وأجراس الكنائس؟ هل هذا هو المعنى الدقيق لعقلنة الدولة العربية أصلاً؟ أم يكفينا حرف موجاتها الصوتية “الكنائس والمآذن” عن عقل الدولة ، الجاف، والعملي؟
مع أن هنالك تيارات دينية تقاوم ، وأخرى تساوم، لكن ذلك لا يكفي، وإن كان يبقي على حالة التمايز الشاسعة بينهما.
ما يكفي هو عقلنة الدولة، وتوزيع قلبها بتلقائية على مواطنيها (نقل القلب من الحيز العام إلى الحيز الخاص، حجبه عن الدولة وبقاؤه في الفرد). الدولة الدينية لا تستأصل قلبها، لأنها باختصار تتمكن من استئصال عقلها. قد يكفي مشروع الدولة الدينية لخوض مشروع تحرير الأرض، لكن لا يمكن أن يكفي لبناء مشروع التحرر الإنساني الكامل.
من المهم التأكيد عليه هنا أن القلب المطلوب نقله من الحيز العام إلى الحيز الخاص لا يضم الدين فقط ، وإنما يضم كذلك العرق و القومية، ومختلف الهويات الفرعية الأخرى.