عام على رفع الدعم عن الخبز _ ما الذي جرى؟؟
ها قد مرّ عام كامل على رفع الدعم عن سلعة غذائية حساسة ورئيسية وهي الخبز، ففي شهر شباط من العام الماضي، نفذت الحكومة قرار رفع الدعم عن مادة الخبز بالتوازي مع رفع أسعار العديد من السلع والخدمات، رغم كل الاحتجاجات والاعتصامات والسخط الذي عبر عنه الشارع الأردني. رفعت الحكومة سعر الخبز بنسبة تتراوح بين (100 _ 120%) وهي تعرف أن ثلثي عدد الفقراء يعيشون على الخبز والشاي، لكنها قررت تقديم (بديل نقدي) لتعويض الأردنيين بمقدار (27_ 33) دينار سنوياً، في محاولة لإسكات الشرائح الفقيرة، مكررة نفس خطأ وتخبط عام (1996) عندما رفعت أسعار مادة الخبز وانفجر غضب الشارع وشهدت مدن ومحافظات الأردن اضطرابات عنيفة، كادت أن تودي بالأردن إلى المجهول.
هل الحكومات الأردنية لا تتعلم من الاخطاء، أم أن الأمر لم يعد في يدها؟ حكومة السيد الرزاز مثل كل الحكومات تتذرع، بأن هناك هدر في مادة الطحين لا مبرر له، وأن الخبز يذهب لغير الأردنيين، لكن صندوق النقد الدولي الذي أصبح يدير اقتصاد الأردن ويضع له برامج الإصلاح يرى أن رفع الدعم الكامل عن الخبز هو من أجل تخفيض المديونية، فكيف نصدق هذا الزعم وقرار رفع الدعم ورفع الأسعار هو شرط مسبق لإقراض الاردن (2) مليار دولار؟؟ فهل يعقل أن ترفع الحكومة أسعار السلع الغذائية لخفض حجم المديونية وهي تقوم بزيادة هذه المديونية؟!
ثم هل ساهم رفع الدعم وزيادة الأسعار وفرض الضرائب في خفض حجم المديونية على مدار السنوات الماضية؟ هل ساهم أيضاً في تقليص العجز المالي؟ الأرقام تشير إلى عكس ذلك.
بين عام (2012) و (2016) تنامت المديونية العامة تدريجياً من (16.58) مليار دينار وبنسبة (75.5%) من الناتج المحلي الاجمالي إلى (24.4) مليار دينار بنسبة (95.1%) من الناتج المحلي الاجمالي وفي عام (2017) وصلت المديونية إلى (37.32) مليار دولار وفي عام (2018) بلغت المديونية (38) مليار دولار (27.27 مليار دينار) بنسبة (95.9%) من الناتج المحلي الإجمالي.
لم تساهم قرارات الحكومة في التصدي لعجز الموازنة ففي خلال الشهور السبعة الأولى من عام (2018) تنامى العجز في الموازنة بعد المنح بحيث وصل إلى (659.4) مليون دينار مقابل عجز في نفس الفترة من العام (2017) قدره (539.9) مليون دينار، وقفز العجز في ميزانية الأردن قبل المنح عام (2018) بنسبة (76%) وبلغ العجز الكلي (حكومي ومكفول) ما مقداره (1.043) مليار دينار ويبلغ العجز المقدر في موازنة العام الجاري (2019) ما مقداره (737.4) مليون دينار قبل المنح.
وهل ساهم رفع الدعم ورفع الاسعار في الحد من معدلات البطالة والفقر؟ كلا بالطبع، فقد بلغت نسبة البطالة العام الماضي مثلاً إلى (18.3%) وفي فئة الجامعيين من حملة المؤهل العلمي بكالوريوس وأعلى وصلت النسبة إلى (23.4%).
وإذا قسمت بين الذكور والاناث فقد بلغت بالنسبة للاناث (33.1%) والذكور (16%) مع العلم أن سوق العمل يدخله سنوياً (100) ألف طالب عمل ولا يستوعب أكثر من (45) الفاً، وفي عام (2018) وصل معدل البطالة إلى (18.4%) في الربع الأول فيما بلغت النسبة في الربع الثاني (18.7%) مقارنة مع نسبة (15.3%) عام (2016).
بالنسبة لمعدلات الفقر، والتي عادة ما تمتنع الحكومة وغيرها من الحكومات السابقة عن إفشاء سر هذه الآفة الخطيرة، لا توجد مسوحات لمعدلات الفقر سوى عامي (2010) و (2016) حيث تم الكشف عن أن نسبة الفقر ارتفعت من (14.4%) عام (2010) إلى (20%) عام (2016) وبعض المصادر كشفت عن بعض الأسر الأردنية يقدر معدل دخلها (الأسرة 5 أفراد)
ما مجموعه (352) دينار (70 دينار للفرد الواحد) و (35.4%) من الأسر يبلغ معدل دخلها (528 دينار) أي (165 دينار للفرد) و (2.3%) من الأسر أي (28.8) الف أسرة أقل من (150) دينار بمعدل (30) دينار للفرد أي دينار واحد في اليوم.
أما الأسر الأكثر دخلاً (15%) من مجموع الأسر فيصل معدل دخل الأسرة (1166) دينار (233) دينار للفرد.
إذن فإن رفع الدعم عن المواد الأساسية إنما يجلب الوبال والويلات على الاقتصاد وعلى المواطن، وعلى الجميع أن يعرف أن مثل هذه الاجراءات ما هي إلا إفرازات لسياسات اقتصاد السوق ومن بنات أفكار الليبرالية المحدثة التي لا يهمها سوى جني الأرباح وتضخيم الثروات وليذهب الفقراء إلى الجحيم. أما سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، فقد تركزت أهدافها على إغراق البلدان النامية والفقيرة بالديون وإبقاء الموازنات العامة لهذه الدول تعاني من العجز المتراكم كي تظل في حاجة إليها وتلهث للحصول على القروض.
وما نلمسه اليوم من ارتفاع أسعار السلع والخدمات ورفع الدعم على المواد الأساسية، وزيادة معدلات البطالة وتدهور معدلات الاستثمار والنمو والضغوط التي تتعرض لها الدول المدينة ليس سوى جزء من الثمن الذي يدفعه الأردن جراء استهتاره بمشكلة المديونية بحيث أصبحت هذه المديونية تلتهم القسم الأكبر من الموارد وصناديق الإقراض الدولية بالنهاية تدفع الانظمة الطبقية الحاكمة إلى بيع القطاع العام للمستثمرين الاجانب من خلال مبادلة الديون بأصول هذا القطاع.
فكلما ازداد العجز المالي كلما كانت الحكومة مضطرة إلى فرض ضرائب جديدة، وكلما ارتفع عجز الموازنة كلما كان هناك حاجة إلى قروض جديدة.
أخيراً، نذهب إلى (البديل النقدي)، الذي يتم تقديمه للمواطن تعويضاً عن رفع الدعم عن الخبز، حيث ثبت من خلال معظم خبراء الاقتصاد والنظريات الاقتصادية، أنه اسلوب فاشل يضر أكثر مما ينفع لماذا؟؟
على الصعيد الاقتصادي يشكل هذا البديل النقدي عئباً على الموازنة أكثر مما يخفض من العجز، لأن ما تصرفه الحكومة من دعم في البديل النظري لا يضمن أن يكون أكثر مما توفره على الموازنة.
ولقد ثبت من التجارب العديدة، أن البديل النقدي يرفع من نسبة التضخم عندما تضخ الحكومة مرة واحدة هذا الكم من الأموال في السوق، وفي ظل اقتصاد السوق وتحكم التجار الجشعين، والمستغلين وهذا ما يحدث في الغالب يلجأون إلى رفع الاسعار، وبذلك تكون الحكومة قد قدمت حلاً أكثر عقماً وضرراً من المشكلة.