ظاهرة البسطات المزعجة مسبباتها والحلول الواقعية لها
Hawkers عند الحديث عن ظاهرة البسطات والباعة المتجولون أو ما يطلق عليهم بالإنجليزية
يجب أن نفرق بين نوعين من هؤلاء ، النوع الأول هم الفقراء محدودي الدخل أو حتى معدومي الدخل ممن لا يجد قوت يومه ، وتهدده فواتير المياه والكهرباء وأقساط المدارس وتوفير السكن ، والتأمين الصحي له ولأسرته مما يضطره للبحث عن مصدر الدخل الوحيد وهو امتلاك بسطه في أحد شوارع المدينة .
أما النوع الثاني فهم ما يطلق عليهم مافيات البسطات والمافيات من التجار وأصحاب المحال التجارية . إذ أن العديد من البسطات تعود لمسؤولين وأعضاء برلمانيين وتجار جشعين يمتلك الواحد منهم عدة بسطات ويشغل عليها أشخاص ذوي سمعة سيئة ومن أصحاب السوابق ، ومروجي المخدرات والقبضايات، وإذا أجملنا هذين النوعين تتشكل في البلاد في جميع المحافظات ظاهرة مزعجة ومقلقة للمارة والمواطنين حيث الأزقة الخانقة الناتجة عن تكدس هذه البسطات ، وإغلاق الأرصفة وحرمان المشاة من السير عليها . إضافة إلى المشاجرات والصراخ وإطلاق الأصوات العالية .
لقد أضحت هذه الظاهرة شبيهة بلعبة القط والفأر مع موظفي البلديات ورجال الشرطة الذين غالباً ما يشنون حملات لملاحقة أصحاب البسطات تكون أحياناً قاسية ووحشية وبلا رحمة حيث يلجأون إلى مصادرة البسطة أو دلق محتوياتها في الشارع وحرمان الفقراء من مصدر رزق وحيد .
وبعض رجال الشرطة ممن تتوفر عندهم نزعة إنسانية يتحايلون على الأوامر ويتغاضون عن الباعة ، مع علمهم أن ذلك لا يساهم في حل هذه الأزمة الممتدة ، والتي لم تعد تقتصر على الباعة أصحاب البسطات ، بل تشمل أصحاب المحال التجارية الذين ينافسون هؤلاء الباعة فيستولوا على مساحات واسعة من الرصيف أو الشارع المقابل لمحالهم وينشئون بسطات خاصة بهم .
كما يمكن أن يضاف إلى هذه الظاهرة المقلقة والمزعجة ظاهرة سيارات نقل وبيع الخضار والفواكه ونقل اسطوانات الغاز وسيارات الخردوات وهؤلاء تراهم يملؤون الشوارع والحارات ويستخدمون مكبرات الصوت وما يسمى بالموسيقى المزعجة لسكان العمارات والشقق وطلبة المدارس والجامعات في أوقات الامتحانات ، الأدهى من ذلك أن العديد من البسطات خاصة تلك التي تحتوي على مواد غذائية وحلويات ومعلبات بعضها تعرض للتلف من تعرضه لأشعة الشمس وبعضها تم تغيير تاريخ انتاجه يتم تسويقه إلى المواطن بأسعار رخيصة على المواطن الفقير مما يتسبب في كثير من الأمراض الخطيرة .
هذه الظاهرة (المعضلة ) أصبحت تنتشر في كافة محافظات المملكة ، ولقد عجزت الحكومة ورجال الشرطة والبلديات عن إيجاد الحلول لها ، إذ أقدمت البلديات على إنشاء أسواق بعيدة عن المدينة أو المسجد أو المدرسة لتجمع أصحاب البسطات وإعادة فتح الشوارع والأرصفة ، لكن سرعان ما يعود هؤلاء إلى الشوارع من جديد .
ويكمن تفاقم هذه الظاهرة في اتساعها سنة بعد سنة، وتزداد وتتوالد مثل توالد وتكاثر الفطر مع تزايد عدد السكان مما يصعب على البلديات إيجاد حلول مقنعة لها .
السؤال الذي يبرز هنا : ما هي مسببات هذه الظاهرة ، ومن المسؤول الحقيقي عن تفاقمها ، وأين تكمن الحلول لها ؟
الكل يعلم أن اتساع وانتشار ظاهرة البسطات والباعة المتجولون هو نتاج أزمة اقتصادية واجتماعية ، وهذه الأزمة غالباً ما ينتج عنها بطالة وفقر ، وكلما ازدادت معدلات الفقر والبطالة وغابت الرقابة وانعدمت المسؤولية وتعمقت الفجوة الاجتماعية ، كلما اتسع انتشار ظاهرة البسطات والباعة المتجولون .
فبسبب سوء الإدارة وعدم الشعور بأي مسؤولية تجاه الشرائح الفقيرة وغياب التأمين الصحي والتعليمي يضطر المواطن المعدم الفقير إلى البحث عن أي مصدر رزق يؤمن من خلاله قوت عائلته وتوفير أدنى متطلبات المعيشة لهم ، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب وارتفاع قيمة فاتورة المياه والكهرباء والصحة والتعليم . حتى لو كان هذا المصدر ينطوي على مخاطر تمس هذا المواطن المعدم .
فلو لم تلجأ الحكومات الأردنية إلى تضيعته القطاع العام في إطار سياسة ما يسمى بالخصخصة وهو القطاع الذي كان يوفر المزيد من فرص العمل . ولو لم تقدم الحكومات على تدمير قطاعي الزراعة والصناعة ، وهذا ما نلاحظه من مساهمتها المتواضعة في الناتج المحلي الإجمالي ، لو لم تفعل الحكومات ذلك لما انتشر الفقر والبطالة ، وتداعت الطبقة الوسطى التي كانت تشكل توازناً اجتماعياً وطبقياً .
إن الحل الوحيد لهذه الظواهر وانتشارها يكمن في مغادرة الحكومات لنهجها الاقتصادي والاجتماعي وهو اقتصاد السوق ، واتباع نهج يقوم على إشباع حاجات المواطنين المعيشية من خلال تنشيط القطاعات الإنتاجية ، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وكذلك تشجيع الإستثمار المحلي، خاصة لتوفير فرص العمل والحد من ارتفاع مستوى الفقر ، وبدون ذلك سوف تتفاقم الظاهرة وتتوسع أكثر وأكثر .