سُؤال الرُبع دولار: مُصالَحَة أم مُحاصَصَة
ما زالَ الانقسام في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني قائِمًا حول ليس فقط ما حصلَ في قطاع غزة في 14 مايو/حزيران من العام 2007 فقط، وإنَّما على تسمية ما حصل: هل هو “إنقلاب” أم “حَسم”، بطبيعة الحال وبحسب المثل الشعبي الفلسطيني: “ما في حَدا بِحُط بزيتو عَكَر”، بمعنى لن يقف أحد من كلا طرَفي الانقسام المعني والمحدَّد بالانقسام في الخلاف على السلطة، ويقول بأنَّ الطرف الآخر هو “الصادق”، فالصراع على السلطة بينَ الفصيلين الأكثر تَنَفُّذًا على الساحة الفلسطينية أوصلَ الحالَة الفلسطينية إلى قَعر الأزمة السياسية والوطنية والاجتماعية/الاقتصادية، وأدخلَ القضية الفلسطينية في نفق مُظلم، ولو مرحليًا، وأربكَ الشعب الفلسطيني وجعلَهُ رهينة المساعدات والمنح، من شعب يقاوم الاحتلال ومن أجل الحرية إلى مقاتل في سبيل لقمة العيش وضد الفقر والجوع.
الانقسام، إذا جازَ التعبير، أو الصراع، بينَ حَرَكَتيّ فتح وحَماس لم يبدأ في الرابع عشر من حزيران عام 2007، بل هذا التاريخ كانَ الحاسم في ذروة هذا الصراع، إنّ جذور هذا الانقسام أقدم من ذلك وهي ترتبط ببداية ظهور حركة حماس على الساحة الفلسطينية ومنذ الإعلان عن انطلاقتها في ديسمبر/كانون أول من العام 1987 مع بداية الانتفاضة الأولى، حيثُ أنَّها ورغم وجود جناحها العسكري الأول والذي أسَّسهُ الشهيد صلاح شحادة تحت اسم: “المجاهدون الفلسطينيون” وتنفيذها لعمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني إلا أنَّها عادَت فصائل منظمة التحرير على خلفية نقاش أو صراع فكري/سياسي ولهذا السبب اعتبر البعض أنَّ ظهور حركة حماس في هذا التوقيت هو أمر “مُخَطَّط” لهُ مسبقًا بهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الادعاء انتهى على أرض الواقع بانخراط حركة حماس في المقاومة ضد الاحتلال وبقوة وخاصة بعدَ تشكيل الذراع العسكري لها “كتائب القسام” في العام 1992، ولكن هذا لم يُنهي حالة الاحتقان الفكري السياسي على الساحة الفلسطينية، ونقول الاحتقان لا الجَدَل لأنَّ الأولى أوصلَت إلى الانفجار والثانية هي الكفيل دائِمًا بوضع الأمور في نصابها الصحيح في حالات الخلاف والاختلاف، وكانَ توقيع اتفاق أوسلو وقدوم “السلطة” إلى غزة والضفة وعدم “التزام” حماس بالاتفاق ورفض الاعتراف بالمنظمة كمرجعية وحيدة للشعب الفلسطيني مما دفع أجهزة أمن السلطة وبأمر من ياسر عرفات لاعتقال قيادات حركة حماس والتنكيل بهم في سجون السلطة، وهكذا تفاقم الصراع وإن كانَ تحتَ الرماد كَالجمرِ. مع العلم، وبالإشارة إلى الاحتقان والجدل، فإنَّ ساحتنا الفلسطينية لم تُمارس الجَدل إطلاقًا وإنَّما اعتمدت على “ديموقراطية غابة البنادق” هذه المقولة المُزيّفة عن الديموقراطية غير المُمارسَة على ساحتنا حتى اليوم إلا من منطلقات القوة والعربدة، وليسَ هناك شك عندي بأنَّ كل المحاولات التي كانت لإصلاح منظمة التحرير من الداخل انطلقت من المسؤولية الوطنية الكبيرة والعالية والإدراك لأهمية الوحدة وخاصة المشروع الذي آمنَ بهِ القائد الكبير جورج حبش ورفاقه ولكن للأسَف، هذا المشروع فشلَ وارتدَّ على الثورة الفلسطينية بخسارة كبيرة، خسارة للمشروع الوطني الفلسطيني الديموقراطي حتى تحوَّلَت منظمة التحرير الفلسطينية من أداة للتحرير وإعادة اللاجئين والوطن إلى وكيل لدى المُستَعمِر (بِكَسر الميم).
في كانون ثاني/يناير 2006 خاضت حركة حماس الانتخابات التشريعية وحصدت معظم المقاعد في المجلس التشريعي، وعلى إثرِ ذلك تفاقمت الخلافات الداخلية وتحديدًا بينَ فتح وحماس، فحركة فتح رفضت المشاركة بحكومة برئاسة إسماعيل هنية لعدم التوافق على البرنامج السياسي لهذه الحكومة خاصة ما يتعلق بالمفاوضات ودور م.ت.ف، وكانت لقاءات المصالحة ومحاولة رأب الصدع مُستمرَّة قبل هذه ما يُسمى بـ”البرنامج الوطني” لقانون المصلحة الحزبية ولم تفلح كل اتفاقيات المُصالحة في رأب الصدع وإنجاز “الوحدة”، ومنذ اتفاق القاهرة من العام 2005 وحتى اليوم عقدَ خمسة عشر اتفاقًا بينَ الحركتين دون جدوى، فالتمترس خلفَ الإنجازات والارتباط الوثيق بالسلطة وما تعنيه من هيمنة لم يترك فسحة من الأمل للتخلي عنها. مهرجان غزة للمصالحة: على خلفية قرار بنيامين نتنياهو بضم مناطق من الضفة الغربية وتحديدًا في الأغوار إلى “السيادة الإسرائيلية” وعَمَلًا بروح صفقة القرن التي أعلنَ عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خلفية كل ذلك بدا وكأنَّهُ هُناكَ تقارب بين حركَتي حماس وفتح، وكانَ اللقاء المُتلفز بين جبريل الرجوب رئيس ما يُسمى من طرف سلطة أوسلو في رام الله بـ”لجنة مقاومة الضم” وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأعلنَ عن النية لتنظيم مهرجان مشترك ضد الضم في قطاع غزة سيلقي به كلمات كُلٌ من: محمود عباس رئيس السلطة وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والرئيس المصري والرئيس الأمريكي الأسبق وممثل للاتحاد الأوروبي، والسؤال المركزي هنا: “ما هو هدف هذا المهرجان؟” هل حقًا هناكَ “مصالحة”؟ وهل المصالحة تعني التوافق على مشروع السلطة بين رام الله وغزة؟ برأيي، جُلَّ ما تسعى إليهِ حركة فتح الآن هو الوصول إلى أكبر قدر من الضغط على “إسرائيل” والمجتمع الدولي حتى تخرج من مأزقها الحالي كَأنَّها منتصرة على الضم الحاصل سلف، فهذه المناطق تخضع كليًا للسلطة العسكرية والإدارية المدنية الصهيونية والإعلان عنها ما هو إلا خطوة نحو “شرعنة” الأمر دستوريًا في الكيان إرضاءً لأوساط استيطانية توصف بالمتطرفة، وهذا جوهر الخلاف حول الأمر بين طرفي حكومة الوحدة في الكيان: الليكود برئاسة نتنياهو وهو الدافع باتجاه تنفيذ الضم و”كحول لفان” بزعامة الجنرال غانتس الداعي إلى التريث والتنفيذ على مراحل دون المواجهة مع الفلسطينيين. ليسَ مهرجان غزة “الوطني” لمواجهة الضم إلا فَزاعَة في وجه نتنياهو والحكومة الصهيونية والمجتمع الدولي، فالسلطة لم ولن تتراجع عن اتفاق أوسلو ولا عن التنسيق الأمني ولا عن الحلول الاستسلامية التي تتهمها بها حركة حماس فلماذا إذن سيذهب الطرفان؟.