سورية بعد سبعة سنوات على العدوان / حاتم استانبولي
سورية ما قبل العدوان عليها كانت تشكل نموذجا خارج عن المألوف في منطقة حسمت خيارات انظمتها بشكل كامل مع التحالف الأمريكي الاسرائيلي الرجعي العربي . في وضع عالمي تسود فيه سياسة التمكين للقطب الواحد . في وضع داخلي سوري يشتد فيه استقطاب مذهبي عملت عليه قوى اقليمية لمحاصرته واسقاط الطابع الوطني للصراع لتحويله لطابع مذهبي لفك التحالفات الوطنية وتحويلها لتحالفات مذهبية والدفع بالقوى الدينية التي تاخذ من الدين السياسي واجه لتنفيذ اجندات مذهبية .
العدوان على سورية كان يحمل هدفين الاحتواء او التفكيك .فالمتابع للعدوان منذ بدايته يلاحظ الضغوط بعناوينها السياسية التي بدأت ما بعد غزو العراق عندما قدمت المقترحات الأمريكية لسوريا عبر كولن باول تحت عنوان تغيير سلوك النظام هذا المصطلح الذي كنا نسمعه كثيرا ما قبل العدوان المباشر ليتحول بعد ذلك لتغييره عبر اسقاطه.
هذه المقتراحات التي رفضت مباشرة من قبل الرئيس الأسد وكان عنوانها فك ارتباط سورية مع القضية الفلسطينية وستفتح ابواب الجنة لها.
كان الرد على رفض الرئيس الاسد مدويا اغتيل الحريري واتهمت سورية وحلفائها وكانت سببا في خروجها من لبنان لكي يكشف لبنان وطنيا وتعاد الاصطفافات على اساس مذهبي وتمزق الحاضنة الوطنية للمقاومة وتفتح افاقا للعدوان على سوريا عبر ايقاظ الصراع المذهبي واستخدامه في تفكيك الدولة .
اما دوليا فان سياسة القطب الواحد كانت تحاول ان تكمل سيطرتها عبرالتمدد غربا في اوروبا في محاولة لأحتواء روسيا من خلال عنوانين داخلي وخارجي .
وكان الصراع حادا بين مراكز القوى القديمة والناشئة بين سياسة اعادة الاعتبار لروسيا وبين ارضاخها لسياسات راس المال العالمي عبر احتوائها من خلال الG8 وعندما لم تنجح محاولاتهم طردوها منها.
في هذا السياق برز تناقضا داخليا عنوانه الصراع بين تاريخ روسيا الثقافي والسياسي والحضاري وبين محاولات الحاقها والغاء دورها وحسم الصراع لصالح اعادة الأعتبار لدور روسيا الثقافي والسياسي والحضاري الذي عبر عنه الرئيس بوتين وهنا فاننا نستطيع ان ندرك اهمية شخصية بوتين بالنسبة للوجدان الروسي كما سوف ندرك شخصية الرئيس الاسد في الوجدان القومي العربي بالرغم من كل التشويه الذي اطلقه الغرب وادواته الاعلامية لشيطنة كل من بوتين والأسد وكان احد مشاهده الهجمات الكيماوية اذا كانت في لندن حيث اتهم الرئيس بوتين شخصيا او في دوما حيث اتهم الرئيس الاسد شخصيا.
ان الصراع العام الذي يشهده العالم بين قوى راسمالية صاعدة معتمدة على اقتصاد وطني استفاد من القوانين الدولية في انفتاح الاسواق ولكن بذات الوقت يريد ان يحافظ على هويته الوطنية وبين قوى راسمالية امبريالية تريد ان تفتح كل الحدود وتسقط الدولة الوطنية بهدف توحيد الاسواق لمنتجات شركاتها القابضة وتسعى لتحويل الحكومات الى وسطاء تجاريين بدرجات مختلفة .
تاريخيا هذه القوى وحدت اسواقها عبر عملية تطور سلسة اخذت بعين الاعتبار الخصائص والمصالح الوطنية لدولها (الأتحاد الأوروبي) على سبيل المثال وعقدت اتفاقيات تجارة حرة بين بعض الدول ألأخرى في حين ان الولايات المتحدة عقدت الاتفاقيات الاقتصادية واسست منابر مالية واقتصادية لتشكل اذرع لهيمنتها على راس الهرم الامبريالي مدعومة باساطيل تجوب البحار.
نجاح ترامب من خارج نادي صانعي الرؤساء شكل ارباكا لمنظومة راس المال وشهدت السنة الأولى من الرئاسة عملية مواجهة بهدف احتواء مغامراته وتطويع بعض سياساته بما يهدف لأعادة تموضع الدور الامريكي اقتصاديا وسياسيا . حاول ترامب ان يشكل ادارة خاصة به لكن طرح عدم مشروعيته وعلاقاته المشبوهة مع روسيا وبوتين جعله يتخبط في ادارته ووضعه امام خيارين اما مع منظومة كلينتون – اوباما وامتداداتها الخارجية ورؤيتها للعالم او ريغان – بوش وامتداداتها الخارجية ورؤيتها للعالم .
بعد ان دخل ترامب البيت الأبيض وجد انه بحاجة لاحد طرفي النادي ليحافظ على استمرار ادارته فكان طبيعيا ان يختار طرف ريغان – بوش الذي من الممكن ان يصل معه لمساومة حول بعض السياسات التي وعد بها جمهوره. فجناح ريغان بوش يسمح له بسياسات القطبية الواحدة عبر اعطاء اولوية للمصالح الأمريكية وان تعارضت مع اقرب حلفائه وتصادمت مع اكبر منافسيها.
وهنا فان ما يهمنا هو رؤية تاثيرات هذا الصراع على منطقتنا .
لقد كانت رؤية كلينتون – اوباما ترى ان التغيرات بالمنطقة يجب ان تحصل من خلال تغيرات تعطيها مشروعية داخلية تحت عناوين العدالة والديمقراطية التي روجت لها عبر منابر اعلامية ومراكز دراسات وابحاث تهدف للتلاعب بالنسيج الأجتماعي عبر بث تقارير ودراسات وانشاء منظمات داخلية تروج لهذه السياسات عبر دورات للشباب تهدف لاستثمار قدراتهم وتوظيفها في رؤيتهم العامة للتغيير. وعلى مدار سنوات وعلى ضوء التجربة الفاشلة في الجزائرفي عهد ( بيل كلينتون )التي شكلت بروفة استفادت من اخطائها. طلبت من تيار الدين السياسي واداته الأخوان المسلمون تغييرا في خطابها السياسي لتستخدمه كطرفا جاهزا ومستعدا لتفكيك الدولة الوطنية لاعادة تركيبها عبر دويلات قائمة على اساس مذهبي او طائفي او عرقي او قومي.
هذه الرؤية التي اصطدمت مع دور بعض الدول الاقليمية التي كانت ترى ان الأداة الجديدة لادارة اوباما والتي تمثلها (قطر وبناتها) في المنطقة تشكل خطر جدي على استمرار حكم عائلاتها.
فبدأت بهجوم معاكس على خطوات اوباما في الدول التي كانت تعتبر من اهل البيت مثل( تونس ومصر) في حين تلاقت مصالحها مع ادارة اوباما في ليبيا وسوريا. ان تلاقي هذه المصالح كانت على اساس ان تغيير الأنظمة الوطنية وتفكيك دولها هو مصلحة مشتركة .
لم يكن العراق الذي بدأ بالتعافي وطلب خروج القوات الأمريكية منه بعيدا عن رؤية اعادة التركيب حيث حققت ايران عبر دورها فيه سياسة تراكمية ادت الى عزل الدور الأمريكي ومحاصرته وبنت جسرا يربط مصالحها لتصل الى المقاومة في لبنان .
فكان لا بد ان تشمل العراق في رؤية اعادة التركيب من جديد مستفيدة من قوى داخلية جاهزة لتقوم بهذا الدور وهو تحالف قوى مذهبية شكلت سابقا قاعدة اجتماعية للنظام العراقي السابق واعادت ترتيب بيتهم بعد ان اسقطت بعدهم القومي وصبغه ببعد مذهبي شكل قاعدة معرفية جديدة لدورهم الداخلي الذي دعم اقليميا من الدول المتحالفة مع اسرائيل وامريكا واطلقت عملية عسكرية تكللت بالنجاح واعلنت دولة الخلافة التي اطلقت على نفسها الدولة الاسلامية في العراق وسوريا (داعش) لتتربع على راس الهرم بين اخواتها في العراق وسوريا التي لاقت دعما وغطاء غربيا.
داعش كانت وما زالت اداة لتفكيك الدولة في كل من العراق وسوريا ,وستكون كذلك اداة لأستنزاف دولا اخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وعلى الأرجح ستاخذ مسميات واساليب اخرى حسب ظروف واحتياجات رؤية اسقاط الدول.
الترامبية حسمت خيارها بان تعيد اداة الدين السياسي خطوة للوراءلتنضوي رسميا ضمن منظومة دور الأنظمة الرجعية فهي تريد ان تحصل على مواردها بلا اية تضحيات وباسهل الطرق عبر مساومة علنية هي اموالكم مقابل امنكم الشخصي . فهي لا ترى اية قيمة للدول الفقيرة ولن تبذل اي جهد او اموال في حمايتها . وترى دورها في سوريا على انه صراع مع روسيا لأستنزافها وتحجيم دورها واعادتها لقفصها ولكن هذا لن يكون من خلال مواجهة مباشرة معها وانما من خلال استخدام دول المنطقة المرتبطة معها فهي طلبت منهم التمويل وكذلك القوى البشرية لمواجهة روسيا وحلفائها وفي هذا السياق تفهم اعلانات كل من السعودية وقطر حول استعدادها لأرسال قوات الى سوريا . القوات القطرية ستكون مجموعات فيلق الرحمن ولكن بزي قطري والسعودية ستكون مجموعات جيش الأسلام ولكن بزي سعودي وهذا يتطلب موافقة تركية سيعمل عليها في اطار الناتو ومرة اخرى سيكونون الأكراد هم الضحية السهلة في هذه المساومة.
لن تقبل اسرائيل وحلفائها في المنطقة ان تخرج سوريا منتصرة معافاة من خطر التفتيت .
سوريا تحت عدوان مباشر منذ اذار 2011 متعدد الأشكال والأساليب ولن تهدأ ما دام هنالك نظام ورئيس يقول لا لأسرائيل ونعم لحقوق الشعب الفلسطيني وخياراته التاريخية.
سبع سنوات من العدوان على سورية فرزت القوى داخليا واقليميا ودوليا واصبح الاصطفاف على ضفيتي الجولان من مع العدالة الحقيقة من خلال احترام القوانين الدولية وسيادة الدول وخيارات شعوبها والحق التاريخي الفلسطيني وخيارات شعبه الوطنية في العودة ومن مع اسرائيل وعدوانها وتحالفاتها الأقليمية والدولية وعلى راسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هذا الحلف الأستعماري القديم المتجدد الذي يضرب بعرض الحائط القوانين الدولية والعدالة الاجتماعية ويتلاعب بالمكونات الداخلية للشعوب ويحول توافقها الى فوضى تعم لتكون نقمة عليها لتوظفها في استمرار هيمنتها واستغلالها.
الترامبية لا يهمها العدالة او حقوق الانسان او صور الأطفال او النساء واكبر دليل انها لا تنتصر لصور ضحايا العدوان على اليمن وفلسطين وتعمل على تركيب الأفلام الكاذبة عن ضحايا مفترضين من اطفال ونساء اخذت حقائقها من العالم الأفتراضي كما تحدث (مكرون) لتجعل منها اسبابا لعدوانها المباشر بهدف شيطنة الجيشين السوري والروسي وتوجيه رسائل في الساحتين اللبنانية لتضغط على الناخب اللبناني والفلسطينية لتغطي على الجرائم الاسرائيلية بحق المتظاهرين السلميين في غزة المطالبين بحقهم بالعودة وفك الحصار الظالم من الأقربون والاحتلال المستعمر.
ان محاولات شيطنة الرئيسين بوتين والأسد اصبحا عنوانين لراس الحربة لمواجهة العدوان على العدالة والقانون الدولي واحترام الدول وخيارات شعوبها ومن الواضح ان استمرار المواجهة على سوريا ومعها تدفع روسيا تدريجيا في الابتعاد عن الصداقة مع اسرائيل لتحولها الى حياد واذا تعمق الصراع من الممكن ان تتحول الى مواجهة عبر دعم لا محدود لسوريا وجيشها .
ان المعركة على الصعيد الدولي تتمثل في من يحافظ على القانون الدولي ومن يحاول خلق وقائع وتبريرات كاذبة لتقول ان القوانين السائدة هنالك ضرورة ملحة لتغييرها بما يتوافق مع رؤية عصابة الأربعة ويخرج معارضيها على انهم معيقين لمصلحة مجتمعهم الدولي هذا يقود بالضرورة اذا استمر دورادواتهم الاقليمية والدولية الى تصادم ينتج عنه دمار شامل .
سورية هذا قدرها فهي لا يمكنها ان تكون الا سورية التاريخية التي انتصرت وتنتصر لدورها عبر التاريخ كمنارة للأنسانية ومنبع لحضاراتها وكانت دائما تفتح ذراعيها لكل الشعوب المحبة للعدالة الأنسانية لهذا فان من يريد رؤية الصراع في سورية عليه ان يضعه في رؤية شاملة للصراع العالمي .
حسم الصراع فيها سيحدد شكل ودور منظومة العلاقات الدولية واقليميا سيكون انتصارا للخيارات الوطنية لشعوب المنطقة وقواها الحية .