مقالات

زوجات الاسرى الفلسطينيين “ثنائية الاضطهاد المركب ” واقع وحلول…ماري

المرأة الفلسطينية وبلا مبالغة , هي صاحبة اطول ملحمة تاريخ نضالي وكفاحي ضد أخر احتلال استعماري “اقتلاعي , صهيوني باق على وجه الارض مذ عرفت البشرية معنى التحرر من نير وظلم استعباد الانسان لأخيه الانسان,والمرأة الفلسطينية كباقي نساء الأرض تعاني قهراً وظلمأ تاريخيا ً,و انسانيا, وتمييزا سلبيا تنازلياً غير منسجم مع كفاحها الوطني و الاجتماعي ,لكونها الانثى التي ترزح تحت نير ثقافة الشرق التاريخية ,والمتأصلة تارة في شكل عقد “العادات والتقاليد ” واخرى على شكل شعارات دينية “في جلها تُذِوت جيلا بعد جيل فكرة “المرأة التابع ” والمرأة “ناقصة العقل والدين “والمرأة العورة ,والمرأة المربية ,والمرأة المطيعة ,والمرأة الصامتة الصابرة ,وقد زخر تاريخنا الثقافي بمقولات تمجد نزعة الخنوع والاستسلام مقابل زجر وردع تلك النسوة اللواتي يمارسن دورا يتنافس بجوهره الفكري والسياسي والثقافي والاجتماعي والابداعي التقدمي دور الرجل ,ومن هنا يمكننا القول ان المرأة الفلسطينية لم تكن يوما بمعزل عن هذا السياق الظالم بشقيه القومي والاجتماعي ,رغم تميزها الفخري البطولي واسبقيتها الثورية والنضالية في المعركة الوطنية ضد الاحتلال الصهيوني منذ العام 1917 وحتى اللحظة وما مثلته من رمزية نسوية عالمية وعربية لصمودها ,ورمزية كيانها الانثوي الثائر من خلال مشاركتها بكافة انواع واشكال دعم النضال الفلسطيني , الخيري والاجتماعي البسيط أو الكفاح والقتال المباشر ضد الاحتلال ,وعلى راسه العمل المسلح كخطف الطائرات او التضحية بالجسد في العمليات الاستشهادية داخل الأرض المحتلة ولم تكن بعيدة بالمطلق عن حمل السلاح واطلاق النار ,او الطعن بالسكاكين ,ورمي الحجارة في معركة المواجهة ضد الاحتلال الصهيوني .

ان واقع الكفاح والنضال القومي والاجتماعي المزدوج هو الجدلية الصعبة في تاريخ المراة الفلسطينية فهي تمارس دور المناضلة ,والمقاتلة ضد الاضطهاد القومي والامبريالي الراسمالي المدعوم من قوى الظلام العالمي الاميركي والاوروبي والمتحالف مع الرجعية العربية المتخلفة والمتواطئة مع حلفائها انفين الذكر , وهي الداعية الى التحرر من شوائب التكلس المجتمعي والتخلف الانساني غير القابل للتطور مع تقدم الحياة وتطورها وتداخل الضرورات التحررية من نير المفاهيم البالية المعلقة بمراسيم وتقاليد “الشرف ” والذي يعني بجوهره “غشاء البكارة” ,وعليها أيضا يقع عاتق تدوير الأدوار تباعاً , دور الام ,ودور العاملة ,ودور السجينة ,ودور أم السجين وزوجته وبنته ,ودور ام الشهيد وزوجته وابنته ودور المطلقة ودور الارملة وغيره الكثير .

وهنا نود تسليط الضوء على قضية هامة وهي قضية زوجات الاسرى والمعتقليين الفلسطينين في سجون الاحتلال الصهيوني حيث يحتجز العدو الصهيوني حرية ما يقارب 6500 الاف اسير بينهم 24 أسيرة منهن طفلات ,منهم ما يقارب 30 بالمئة متزوجون وما يقارب عشرون بالمئة لديهم اطفال ,تترواح محكومياتهم ما بين الاشهر والمؤبدات والاحكام العالية ما بين 5 -30 سنة وأكثر , ان الكتابة بالتحليل والتفسير او السرد من خلال الارقام او الملاحظة تشير بقوة الى عامل الاضطهاد المزدوج الذي يقع قسراً على جموع هذه الفئة من شريحة النساء عامة حيث تشكل المراة من المجتمع الفلسطيني ما نسبته 51 بالمئة وذلك في حدود الارض المحتلة عام 67 , وهذا النموذج المصغر هو بمثابة عينة واقعية للمرأة الفلسطينية التي تتألم بصمت وتعاني قساوة الظلم والابتزاز والاذلال سواء من خلال رحلتها القاسية في دول الشتات واللجوء والمهجر , او مع عدو مباشر غاشم يحرمها أبسط حقوقها الانسانية بالتواصل مع زوجها الاسير وحرمانها زيارته لسنوات طويلة او التحدث معه او التواصل الطبيعي كأي انسان في ظروف اعتقالية أقل ما يقال عنها انها اجرامية وعداونية وعنيفة ,حيث تفصل بينها وبين زوجها جدران زجاجية متسخة كل الوقت بشوائب وقاذورات تحجب عنها رؤية زوجها, وشريك حياتها الازلي كما وتجبرها على التحدث معه عبر وسيلة الهاتف حيث تتعمد ادارة السجون لقطع الحوار كل خمس دقائق او عشرة مما يجعل الحديث مصاب بالتشنج وقطع الافكار والانسجام والود والالفة اللحظية الحميمة رغم قساوتها ,بالاضافة لحرمانها من حقها بامومتها المسلوبة وانجاب الاطفال كباقي النساء في ما يسمونه العالم الحضاري والحر , واجبارها قسرياً تحت وقع الظرف الزماني ,”العمر ” ,على زرع النطف في حالة اسميها” هستيريا نفسية شجاعة ” ,وبالرغم من الفرحة والبهجة التي تعيشها تلك الزوجة عند زرع النطفة المهربة لكن لكم ان تتخيلوا ,الطريق الى زرع وليد باحشاء امراة لأب لن يشاركها ألم الحمل والمخاض وفرحة الميلاد ,وولن يقبل جبينها ويشد على يدها حين تخبره انها تحمل ثمرة حبهما المقدس ,الحالة النفسية هنا ليست مسالة بطولية بالمطلق ,رغم ان الحدث وطني وبطولي وانساني رغم انف العدو ,قالت لي احداهن وهي تروي قصة وصول النطفة الى حاجز المدينة ودخولها بامان “جاء الاهل جميعهم الرجال والنساء يبلغون بعضهم لقد وصل الحفيد ,وقالت كلهم اخذوا النطفة وهللوا فرحا ,وانا انظر اليهم بصمت ,,شعرت اني وعاء انجاب مقيت ,انا لست كذلك, اجتمع ذكور كثيرين وقرروا ما هو حلال وما هو حرام, وفق المعايير المتبعة بثقافتنا ,أصعب لحظة حين يخر العظم رغم الفخر المسجل ,”وقالت اخرى ” الرجال واحيانا معهم بعض النساء يصبحون متطفلين بنهم على حياتنا الخاصة حين نصبح زوجات اسرى ,نخضع لاختبارات كل لحظة ,وتحركاتنا كلها مدروسة ,ذهبت وخرجت ,اتت ,أشترت وباعت ,فلحت ,لم تفلح بتربية اولادها , ,,وهكذا, تحت المجهر 24 امرأة ثالثة “انه القدر ان نخضع لهذا الامتحان العسير ,لا احد يفهم مشاعر زوجة السجين احدهم يقول بوقاحة “ما همكن انتن تتلقين رواتب واموال جيدة وانتن في البيوت “وهو لا يعلم ان كل مال العالم لن يشفع للحظة بكاء طفلها في مناسبة جميلة كالعيد ,او التخرج من المدرسة او الجامعة أو بيوم ميلاده وسؤاله لماذا تركنا أبي ؟؟ وذهب ..هل يحبنا واكذلك.كذلك .لماذا فعل ذلك وجعلنا نتعذب ؟؟؟,وباقي الاطفال جميهم فرحون بإبائهم بينهم ؟؟ هذه الاسئلة الطفولية البسيطة التي ترمي نفسها بقسوة وحيرة على حياة زوجة الاسير لا يعرف اجابتها سواها..

هذا الواقع الأليم بشقه النفسي والاجتماعي, معاناة معنوية لا يستطيع المرء تخيل حجم الضغط والقلق والتوتر والاضطهاد النفسي ,والاجهاد ,والقهر السيكوسيولجي المركب والذي ينعكس غالبا على شكل ردود أفعال غاضبة وناقمة و عصبية ومزاجية قد تطور احيانا لأمراض جسمانية وعصبية ,وربما أيضا أمراض مزمنة كالقلب والضغط والسكري وغيرها ,

وبالرغم من محاولة مجلس الامن انشاء قرارت ذات علاقة بالمراة كقرار” 1820 ” عام “2008”المتعلق بالعنف الجنسي ضد النساء وقرار “,1325 :”عام 2000 والمتعلق بواحد من نقاطه بخصوصية” المرأة في الصراع واتخاذ تدابير لضمان حمايتها والالتزام بحقوق الإنسان للنساء والفتيات” الا اننا نجد ان الاحتلال لا يلق بال بهذه الاتفاقيات بصفته دولة فوق القانون ,وهذا ما يفسر التعسف في امتهان كرامة المراة “زوجة الاسير ” اثناء ذهابها وايابها لزيارة زوجها ,حيث تخضع للتفتيش الجسماني المذل واحيانا العاري ,وتقوم المجندات بالاعتداء عليهن بلمس اماكن حساسة من اجسادهن بدعوى وجود مواد ممنوعة ,وأحيانا من خلال الات تفتيش يتم وضعها أيضا بطريقة مهينة في أماكن جسمانية خاصة حيث يعتبر هذا الانتهاك الجسدي .عنفا جنسيا واعتداءات على كرامة المرأة الانسانة تحت التهديد ,وسواء تم بشكل مقصود وواع او بشكل غير مقصود فهو جريمة بشعة تندى لها الانسانية ,وبالأغلب هو مقصود والهدف منه الاذلال والامعان في قهر الزوجات والاسرى وتحويل حياتها لمسرحية اليمة وتراجيدية ,تزيد من كبتها ضد ما يجري وبلا وازع أو مدافع او متحرك لإنقاذ كرامتها وحالتها المعنوية ,والتي تبقى وحدها المسؤولة عن ترميمها وتكييفها ضمن ما هو متاح من أدوات ومكنزمات الدفاع عن الذات وهذا يتأثر بالطبع بالقدرة الشخصية والتمكين الذاتي والمهارات التي تمتلكها تلكم الزوجات لحماية ذواتهن من تلك الازمة القاهرة ,وخصوصا ان المجتمع يطالبها ان تكون صامدة وثابتة وقليلة الشكوى والذي هو مقياس للشجاعة والبطولة والوفاء الوطني للوطن والاسير ,كل هذه الانتهاكات بحق زوجات الاسرى وربما أكثر منها بكثير حيث لا يتسع المكان للسرد التفصيلي تشكل وصمة عار في جبين كل اولئك الذين يدعون الدفاع عن حقوق الانسان , وفي مقدمتهن النساء المهمشات داخل مجتمعات الذكورة الرجعية والقهر الامبريالي الرأسمالي وعليه المطلوب اعادة تصويب هذا الوضع من خلال بذل الجهود نحو

1.العمل الفوري الحثيث والخلاق لتوفير برامج دعم اجتماعي ونفسي للنساء زوجات الاسرى واطفالهن وتوفير اماكن ترفيهية ومؤسسات تعليمية وابداعية وتمكينيه مجانية للمساهمة في اطلاق ابداع النساء وعدم تركهن فريسة لوقت الفراغ القاتل .

2. العمل على توفير اطار قانوني وطني يدافع و يحمي النساء من همجية الاحتلال ويرغمه على احترام حقوقهن كزوجات ومربيات وتشجيعهن على مقاضاة الجنود والعاملين في مراكز الاعتقال والسجون كيفما كفلته و ضمنته القوانين والمواثيق الدولية .

3. توعية المجتمع بالدور الانساني والاخلاقي والمجتمعي الصعب الذي تمثله تلك الزوجة ومعاقبة كل من يسيء او يحاول المس بكرامة زوجة الاسير ,والكف عن معاملتها كمتوسلة ومتسولة لحقوقها وحقوق ابنائها الطبيعية .

4.دمج قضايا أسرة الاسير الاجتماعية والإنسانية ضمن الحملات العالمية والوطنية ونزع القناع عن الكيان المحتل الغاصب واسقاط ادعائه وكذبه بانه دولة ديمقراطية ودولة حقوق انسان .

ماري \17-نيسان 2015

فلسطين المحتلة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى