زعرنة وقلق مجتمعي / جهاد المنسي
خلال الأيام الماضية اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة (فيسبوك) بفيديوهات مختلفة لحوادث مفترضة أبطالها أشخاص خارجون على القانون، تحتوي تارة على مشاهد لإطلاق نار، وأخرى لحوادث عنف واعتداء، وثالثة لحالات اشتباكات كلامية، تبع ذلك تسريبات لمجرى التحقيق، يضاف إلى ذلك ظهور فيديوهات لشخصيات عامة وأخرى لأشخاص عاديين.
السجال عبر المتصفح الازرق اشتعل حول ما تم تسريبه، فالبعض ثمن وجود هواتف ذكية تمكننا من معرفة ماذا يجري بكل تفاصيل الصورة، والبعض الآخر انتقد تسريبات ظهرت باعتبار انها تنتهك حرية الافراد، وما بين هذا الرأي والرأي الثاني المخالف، ظهر رأي ثالث يعتقد ان هناك من يحرك الامور، ويعطي اشارة البدء لمثل تلك التسريبات وهو ايضا يستطيع وقفها.
شاهد أصحاب تلك الرؤية احداثا سابقة مررنا بها، ويستذكرون قضايا مجتمعية كثيرة ظهرت فجأة واختفت ايضا، وهم يرون أن ما يجري راهنا يصب في الاتجاه عينه الذي صبت فيه تلك القضايا، وان الكلام المرتفع النبرة عن الملاهي الليلية، والزعران حولها يصب في الاتجاه نفسه.
لكل وجهة نظر من الثلاث تلك مريدون، ومؤيدون، ولكل وجهة نظر منهم رؤية مختلفة واسباب يستحضرونها بيد ان بين ثنايا وجهات النظر الثلاث تبرز اسئلة لا بد منها حول متانة العلاقات الاجتماعية ومدى أثر انهيار أو ذوبان الطبقة الوسطى على منظومة القيم التي كانت سابقا، وأثرها على الحالة التي وصلنا لها مجتمعيا، والاسباب التي أدت لحالة الفلتان القيمي التي نلحظها احيانا في الشارع العام، وتظهر غالبا عبر احداث دامية لدرجة ان البعض منا بات لا يستطيع التعامل مع الآخر بشكل حضاري.
لا أريد ان أبرر نزق البعض، وسوء اخلاق البعض الآخر، كما لا أريد إلقاء اللوم كله على الاسباب الاقتصادية التي اظهرت الكائن الاسود الساكن في اعماق البعض، بيد ان تجاهل الضغط الاقتصادي وتعمق الفقر والبطالة، وانحدار القيم كلها اسباب من شأنها ان تؤثر على المنظومة الأخلاقية بشكل عام، وتؤثر لاحقا على السلم الاهلي لدرجة ان البعض في حال استمرار ظاهرة الانفلات التي بدأت بوادرها بالظهور سيشعر انه ليس آمنا لو خرج ليلا وانه بحاجة للطمأنينة اكثر.
الصمت لا يفيد، وإلقاء اللوم على هذا وذاك لا يفيد ايضا، كما ان الهبات الفيسبوكية التي رأيناها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليست ذات جدوى، وانما المطلوب اكثر من ذلك وأوسع وأشمل، وهذا يبدأ من خلال تعزيز دولة القانون والمؤسسات ومحاسبة كل شخص أساء واستغل خصوصيات الآخرين او سرب ما يجب الا يسرب، او استباح الشارع العام لممارسة هواية (الزعرنة) والاعتداء على الآخرين، او أشهر سلاحه لترويع الناس والتأثير على شكل الدولة.
كل تلك الممارسات يتوجب التوقف عندها وعلى الدولة ان تسارع بكل الطرق لمعالجة حالة الخلل المجتمعي التي رأيناها مؤخرا ووقفها عند حدها وهذا لا يمكن ان يحصل إلا بفرض سيادة القانون على الجميع دون استثناء، وان يعرف الجميع انه لا يوجد احد اكبر من الدولة، وان لا حصانة او واسطة لكل من اساء لصورة البلد وللمجتمع بشكل عام، وفرض على مجالس الاردنيين الحديث عن تلك الحالات غير المضبوطة، وتركهم يضعون اسئلة واستفهامات لا يجدون لها ردا او جوابا، وينسجون قصصا وتخوفات، كما ان الهبات الفيسبوكية التي يمارسها البعض لا تفيد بقدر ما تؤثر سلبا وتزيد من تخوفات الأردنيين وقلقهم، نعم نريد دولة مدنية حضارية ولكننا في الوقت نفسه نريد ان تكون تلك الدولة دولة قانون ومؤسسات وان يتوقف البعض عن التطاول على سيادة الدولة وصورتها.