رواية «الطريق الوحيد» لايقونة الكوميديا السوداء الكاتب التركي عزيز نسين
بأسلوب يعتمد على تكثيف اللقطة واتقان رسم الشخصية وإبراز المفارقة في الموقف الذي يتكامل ويكتمل عبر لغة بسيطة وسلاسة لا تخلو من الالفاظ العامية، تتآزر معا جميع هذه العناصر لتكثف الصورة التي ينقلها عزيز نسين ؛ فيعبر الموقف عن نفسه بنفسه في اختزال لغوي مدهش ليصبح مشهدا حيا ينطبع في ذاكرتك ويصبح جزا من المواقف التي عشتها او عايشتها او لوحة فنية تبهرك الدقة المتناهية في رسم خطوطها وتداخل الوانها .
باسلوبه المشوق والممتع والساخر تلك السخرية التي تنتزع منك الابتسامة رغم قساوة الموقف، ينتقد عزيز نسين الأوضاع والمجتمع بأمراضه عبر رحلة المحتال باشازادة في الحياة التي دفعته كل الظروف التي مر بها الى ان يمارس النصب والاحتيال معتقدا انه لم يكن امامه الا هذا الطريق الوحيد فهو انسان مجبر ليسلك الطريق الوحيد دون غيره من الطرق اللامنتهية.
ومن خلال اكثر من 500 صفحة يعرض نيسين المفارقات الهزلية التي تعرض لها بطل الرواية على لسان “باشا زادة” بطل الرواية من خلال حديثه الحميم لنسين في وصف ما تعرض له من مصائب دون أن يبرر لنفسه سوء الحظ والطالع كسبب و مبرر لسلوك الاحتيال, لم يلم القدر كما يفعل الكثيرون و لكن على العكس من ذلك, كان يتعامل مع ضميره من منطلق أن (الطريق الوحيد) له في الحياة هو الاحتيال.
الا ان باشازاده في كل مره كان أمامه أكثر من طريق لكنه اختار ان يكون محتالا بطريقة أو أخرى “فالانسان مهما لفق من كذب,فلا بد أنه مضطر لنقل أحلامه وتصوراته وتوقه وآماله, أي نقل نفسه.” ” فلا يستطيع الإنسان تلفيق أكاذيب مجردة عنه تماماً لهذا السبب فإن كل كذبة تحمل جانباً من حقيقة الكاذب” ” ..ان الانسان مهما كذب فاكاذيبه لا تكن مجرده لكنها جزء من احلامه جزء ممن يتمني ان يكون”.
وحيث ان ” كل إنسان يترك وراءه كلامًا لم ينهه.” ولان ” الحكايات الساخرة التي كتبتها، ربما كانت احتيال لمواجه الحياة، بعد كل سجن وكل منفى”.
تجد أن الكاتب يتناول سرد الأحداث و المصادفات التي واجهت بطل الرواية ويوضح بطريقته الخلل في القيم و المبادئفبالقدر الذي ينتقد فيه المجتمع في روايته بقدر ما ينتقد النفس البشرية التي تحاول تبرير خياراتها وإيجاد سبب وجيه للأخطاء التي ترتكبها بذريعة “الطريق الوحيد” وإلقاء اللوم كاملا على المجتمع فهو يرى أن “الفرق بين المحتال والإنسان الناجح الغني، هو أن المحتال شخص قبض عليه لحظة وصوله لنقطة النجاح، بينما الناجح فلم يقبض عليه أثناء قيامه بالاحتيال”.
وفي الصفحة الاولى من الرواية يطل عليك الكاتب معلنا “تعرفت ببطل هذه الرواية عام 1951 في سجن (باشا قبصي). كان محتالاً ذا سوابق: عمره ينوف على خمسين سنة. لن أقول إنني حكيت عن هذا الرجل بالضبط. حتى إن الرجل الذي حكيت عنه هو ليس ذاك أبداً. ولكن باشازادة المحتال صاحب السوابق الذي تعرفت إليه في السجن شكّل لي المصدر الحي لاستلهام شخصية باشازادة الذي أحكي عنه في الرواية.”
“وكأكثر المحتالين كان باشازادة حكاءً ماهراً. وكأكثر المحتالين أيضاً يحكي وقائع ملفقة كأنها وقعت له في الحقيقة. وما يلقى الإعجاب الشديد مما يحكيه، يعمل عليه بالتكرار والتفنن بالروي. وبالإضافة والتغيير كما يعمل الكاتب على مسودة عمله ليخرج في النهاية بعد عمل طويل بشكله النهائي. ولكثرة ما يكرر أكثر حكاياته تأثيراً، يُصدِّق ما لفقه هو من كذب. ولأنه يصدق هو أولاً ما يحكيه من تلفيقات كاذبة فتصبح هذه الحكايات مقنعة ومؤثرة، ويجعل السامع أيضاً مصدقاً لها. كما يعتبر الشرط الأساسي للكاتب الجيد أن يقنع القارئ بان ما رواه حقيقة “