مقالات

رواندا من عنق الابادة الى فوهة الريادة

تجربة فريدة تستحق الدراسة تخوضها تلك الدولة الافريقية الصغيرة التي يطلق عليها حاليا «سنغافورة افريقيا» نظرا لنموها الاقتصادي المميز والمتسارع. رواندا التي تقع في شرق وسط افريقيا (في منطقة البحيرات العظمى أحد روافد نهر النيل) على مساحة 26.3 ألف كيلومتر مربع يعيش عليها 12 مليون نسمة من السكان بكثافة سكانية هي الأعلى في افريقيا وبحدود 450 نسمة للكيلومتر المربع ويعيش 10% من السكان في العاصمة كيغالي.
شهدت رواندا خلال عقدين من الزمن واحدة من أبشع المجازر التي ترقى الى مستوى الابادة الجماعية والتي كانت أشدها بشاعة بين الاعوام 1990- 1994 في الصراع القبيلي بين قبيلتي الهوتو والتوتسي والتي راح ضحيتها ما يقارب مليون قتيل. هذا الصراع كان امتدادا لما زرعه الاستعمار البلجيكي في خلق عوامل التفرقة والتمييز العنصري بين القبيلتين حيث قام المستعمر البلجيكي في العام 1922 بتسجيل الاصل العرقي للسكان على الهوية الشخصية والذي استمر هذا الحال حتى بعد انسحاب القوات الاستعمارية العام 1962 الى أن قرر الرئيس الحالي بول كاغامي الغاءه بعد توليه رئاسة الجمهورية في العام 2000م وتجريم كل من يستخدم أي خطاب عرقي والستعاضة عن ذلك باشاعة مبادئ المصالحة والتسامح والمساواة، والذي في عهده انخفضت نسبة الجريمة الى 2.5 لكل مائة ألف (امريكا 5.7، سويسرا 2.9، بريطانيا 2، جنوب افريقيا 40) أما نسبة الامية فقد انخفضت من 50% الى 25% واصبح 95% من الاطفال يلتحقون بالمدارس الابتدائية، وارتفع متوسط حياة الفرد من 48 عاما الى 64 عاما إذ تم تخصيص 44% من موازنة الدولة للتعليم والصحة. وقد اعتمدت الحكومة رؤية 2020 لمكافحة الفقر بحيث يتم اخراج مليون فرد سنويا من تحت خط الفقر وعليه فقد انخضت نسبة الفقر من 60% الى ما دون 30% ليتم في نهاية الخطةالقضاء عليه نهائيا. وفي الوقت الذي كان متوسط دخل الفرد 30 دولارا في بداية تسعينات القرن الماضي فقد ارتفع هذا الدخل لأكثر من30 ضعفا وخلال السنوات الثلاث الاخيرة ارتفع ثلاث مرات. وفي نفس الوقت فقد تم تخفيض رواتب كبار المسؤولين في الحكومة بنسبة 20% وتحويلها الى خزينة الدولة وكشف حسابات 5000 مسؤول حكومي وتحويل ملكية الشركات التي تمتلكها أحزاب الجبهة الوطنية الحاكمة وإعادة استثمارها في الاقتصاد الوطني. وقد احتلت رواندا المرتبة الاولى افريقيا في الشفافية والأقل فساد والمرتبة 44 عالميا إذ تم تشديد العقوبات على الفاسدين لتصل العقوبة الى الحكم بالاعدام.
أهم انجاز حققته رواند ما بعد انتهاء الحرب الأهلية وخصوصا في العقد الثاني من القرن الحالي الانتعاش الاقتصادي الذي وضعها ضمن الدول السبع الأعلى نموا اقتصاديا، حيث ارتفع الناتج المحلي الاجمالي من 1.74 مليار دولار في العام 2000 الى 2.58 مليار في العام 2005 ثم الى 8.48 في العام 2016 ومن المتوقع أن يصل الى 12 مليار دولار في نهاية العام الحالي وبنسبة نمو 9% (الصين 6.2%، الهند 7.5%).
احتلت رواندا المرتبة 22 عالميا في ريادة الأعمال ففي الوقت الذي اتبعت فيه بناء اقتصاد الاعتماد على الذات فقد قيدت التعامل السياسي والاقتصادي مع فرنسا لدورها في تأجيج الحرب الأهلية وانضمت الى دول الكومنولث وشجعت الاستثمار الاجنبي بشروط بعيدة عن التبعية من خلال «الشباك الواحد» حيث يستطيع المستثمر المحلي والاجنبي انجاز المعاملاته الرسمية للمشروع الاستثماري خلال 6 ساعات.
تعتبر السياحة والزراعة المصدر الاساسي للدخل القومي، اذ تشكل السياحة 43% من الدخل الاجمالي للبلاد وتوفر 90 ألف فرصة عمل، وان السبب الرئيس لانتعاش القطاع السياحي يعود الى الطبيعة الخلابة للبلاد إذ أن رواندا تعني بلد الألف تلة وتقع على البحيرات العظمى وينبع من جنوبها النيل الأبيض وتنعم بكثافة الغابات التي يتواجد فيها حيوان الغوريلا النادر والذي يستقطب آلاف السائحين، هذا بالاضافة الى نظافة وجمال العاصمة كيغالي التي تعتبر أنظف مدينة افريقية والأكثر استقبالا للسياح دون الحاجة الى تأشيرة دخول مسبقة، فقد اعتاد الناس هناك الخروج كل يوم سبت بما في ذلك الرئيس وفريقه الوزاري لتنظيف شوارعهم، وقد اقيمت في العاصمة الفنادق الضخمة والتي يزداد عددها بنسبة 100% سنويا خلال العشر سنوات الأخيرة.
أما الزراعة التي تشكل 30% من الدخل الاجمالي للبلاد يأتي أغلبها من انتاج الشاي والقهوة، فقد وفرت الدولة للمزارعين المعدات والبذور والأسمدة والمبيدات بأسعار رخيصة ومنحتهم قروض ميسرة لتنمو الزراعة بنسبة تزيد عن 6% سنويا، اما الصناعة فتنمو بنسبة 10% والخدمات 10% وعائدات التصدير ارتفعت لتصل نسبة النمو مؤخرا الى 23%.

بواسطة
د.عارف حمو
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى