رقصة “الفيل” ترامب عندما تنعش اليمين حول العالم! / ماجد توبة
بات واضحا اليوم أن فترة ولاية الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب تأتي تتويجا، وتكريسا ايضا، لمرحلة من الجنون اليميني والانعزالي، العابر للثقافات والقارات، والذي يهدد حقا بحقبة سوداء من حروب الكراهية والسعي لمحو الاخر المختلف دينيا وعرقيا وقوميا.
لا تختلف سياسات وقرارات ترامب الانعزالية والمتطرفة تجاه المهاجرين ورعايا الدول العربية والاسلامية، عن سياسات واجراءات تنظيم “داعش” الارهابي و”القاعدة” و”بوكو حرام” وما شاكلها من تنظيمات تتمسح بالاسلام، والتي تستهدف بعقيدتها الفكرية والسياسية محو الآخر ومصادرة حقه بالوجود، كما لا تختلف كثيرا عن سياسات واجراءات اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يمسك بحكم كيان الاحتلال، ويعمل جاهدا على محو الشعب الفلسطيني وحقوقه، ومحاولة اقتلاعه من ارض وطنه.
جنون اليمين الانعزالي، من شتى الملل والاعراق والقوميات، يعود في هذه الحقبة الى الانتعاش وتصدر المشهد، باثا كراهيته وتطرفه بشتى الاتجاهات، فيما لا يشكل ترامب وادارته الانعزالية والمجنونة سوى النقطة الابرز في هذا المشهد، وربما الاخطر نظرا لما تملكه من امكانات ونفوذ توفرها له أقوى دولة في العالم. بينما تتوجه انظار العالم اليوم الى اوروبا ودول رئيسة فيها، حيث باتت تتهددها احتمالات فوز اليمين المتطرف والشوفيني بحكمها، لتكتمل الحلقة الشيطانية لليمين المتطرف حول العالم!
لا يخفف من وقع حفلة الجنون التي يطلقها اندفاع الرئيس ترامب، الذي بات حقا ينطبق عليه وصف “رقصة الفيل في محل التحف الزجاجية”، سوى تصاعد أصوات المجتمع المدني الاميركي، وتيار من نخبه السياسية والفنية والقضائية والاجتماعية، التي لم تنتظر طويلا لتلمس حجم الكارثة، ليس الاخلاقية والسياسية فقط بل والكارثة المتوقعة على المصالح الاميركية جراء هذه القرارات والسياسات.
وليس من باب المبالغة القول اليوم ان طبول النصر والانتشاء بسياسات ترامب الجنونية والمتطرفة لا تقرع الا حيث المتطرفين والانعزاليين، بمختلف اعراقهم وايديولوجياتهم، حول العالم، وعلى رأسهم الكيان الاسرائيلي الغارق بتطرفه ويمينيته حتى أخمص قدميه، اضافة الى اليمين الاوروبي الذي عاد يتنفس الصعداء وينذر بالتربع على عرش عديد حكومات اوروبية. فيما لا تغيب الفرحة، حتى وان كانت مكتومة اليوم، عن يميننا العربي الاسلامي الانعزالي، تحديدا لدى التنظيمات الارهابية المسلحة التي لا تنتعش وتحضر إلا في بيئة مضادة من التطرف والكراهية والتحشيد.
الراهن، أن اجراءات وقرارات ترامب، التي لا يتوقع لها ان تقف عند هذا الحد على المدى القصير، تفتح الباب لتفاعلات “كيميائية” خطرة، ليس على مستوى الداخل الأميركي المصدوم اليوم باندفاعة الفيل “الترامبي” في متحف الخزف الزجاجي، بل على مستوى العالم، وهي تفاعلات تُذكّر الى حد كبير بالتفاعلات الدولية والقومية، التي ولّدها الكساد الكبير نهاية عشرينيات القرن الماضي، وتوجت بصعود النازية والفاشية، والدخول في حرب عالمية ثانية أكلت الاخضر واليابس.
ما يزيد من خطورة الإغراق في اليمينية الانعزالية، بأوجهها المذكورة، تعقد الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية حول العالم، وفي داخل المجتمعات الغربية ذاتها، جراء السياسات الامبريالية في الخارج ومع الآخر، وسياسات الجشع الرأسمالي والنيوليبرالي، التي طحنت على مدى عقود وما تزال تطحن في طريقها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتخلق البيئات الحاضنة للتطرف واليمينية والانعزالية. ما يجري اليوم على مستوى العالم هو انطلاق ميكانزمات وعمليات توليد وتوسيع التطرف واليمينية والانغلاق الثقافي والسياسي، وتشكُّل حلقة مفرغة لا تعرف السبب والنتيجة فيها، حيث يتغذى كل سبب وعامل على آخر، ويولد التطرف هنا تطرفا هناك، ويصطدم المتطرفون واليمينيون في كل شيء، لكنهم يلتقون على بقاء حلقة وجودهم الشيطانية، لتدفع الإنسانية قاطبة المزيد من البؤس والمعاناة.