ثقافة وأدب

رسائل الحنين في وجدان الثائرين

فكرت كثيراً فيما أريد أن أشارك به أصدقائي وصديقاتي ورفاقي ورفيقاتي في الذكرى السابعة لرحيل القائد والمفكر الثوري الإنساني الأممي جورج حبش “حكيم الثورة “, وأنا أعيد قراءة وتقليب نبضات ذاكرة الثائر “جورج حبش ” سواء المكتوبة أو المنقولة لنا من خلال من عاشروه أو رافقوه أو ساروا بدربه أو أحبوا صياغة تاريخه القيادي القومي والوطني والحزبي والسياسي والثقافي والأممي والإنساني .

اخترت أن أركز قليلا على الجانب المتعلق بالرسائل الإنسانية “العائلية ” التي خطها “الحكيم ” بيديه وصاغ حروفها من خلجاته وأعماقه الداخلية، وأبرقها بشوق, وحنين, وألفة, ومحبة, وحنكة,وقوة, وبأس الزوج الحاني, والأب الحنون والمربي الفاضل, والمحرض الثوري ,والمؤمن بحتمية النهايات المنتصرة للحياة الحرة الخالية من الاضطهاد والاستعمار والذل والفاتحة ذراعيها على مدادها الرحب تحت عنوان ” الحرية للأرض والإنسان”.

الرسائل العائلية هي : التي يتبادلها الناس عادة, عندما يغيب أحد أفراد العائلة وينقطع بشكل مباشر عن فعل التواصل والمحبة والألفة مع عائلته, والناس يغيبون لظروف مختلفة تفرضها عليهم الطبيعة الموضوعية أو الذاتية لحياتهم الخاصة ولكن هنالك من يغيب قسراً لظروف خارجة عن الظرف الطبيعي ومنها الحروب والصراعات المسلحة, وغياب الحكيم “جورج حبش عن عائلته كان بمثابة “ثورة ” بكل ما تحمل الكلمة من معنى, والثائر الذي ينتمي للثورة , هو إنسان مرهف الحس متكامل الانسجام مع ذاته الخاصة والعامة, وإلا لما كان ثائراً، فالثائر ينتصر لإحساسه العميق بالظلم والقهر والبؤس, هذا الإحساس المرهف الشفاف يدفعه بلا تواطؤ, أو تباطؤ, ليكون أول فرسان قافلة الثائرين, ومن هنا فلا عجب أن يتطاير هذا الإحساس المجبول بفطرة الحب والانتماء للعائلة الأم والتي هي الوطن “فلسطين ” والعائلة الصغيرة,التي تشكل الرديف التوأم للوطن و للثائر, الأم, الأب,الأخ, الزوجة ,البنت,الابن،الرفيق…وغيرهم هم ذلك الرديف, ومن عمق دواخل التناسل العاطفي السلس والمتراص, كمتراس للدفاع عن الحق في الحياة والإحساس بتفاصيلها، تناسلت حروف الحكيم “جورج حبش لتلد كلمات وعبارات وجمل صادحة, وواضحة الهوية, ومحددة تًظهر منها حالة الانسجام الطبيعي لروح الثائر مع وطنه وأسرته، ليصل بها إلى تزاوج ج وتلاحم للأرواح عن بعد, يصف الحكيم جسده وأحاسيسه وهي تمارس حقها في التخيل المحسوس بالروح الحية, يرسمها بأحرف متناسقة وهي تلمس وترى وتشم وتتذوق تفاصيل عائلته وبناته, ميساء ولمى حين ذاك العهد كانتا طفلتان تلهوان ببراءة الأطفال وتعبثان بالحياة بلا وعي واضح للاسئلة الكبيرة ,أين أبي؟,متى يعود؟, متى نراه,؟ لم تركنا ؟؟؟ أسئلة تخيلها الحكيم ” وفطنها بإحساس الأب والمقاتل الذي يجوب الجبال بحثاً عن إجابات لكل قوافل أطفال الشعب الفلسطيني الذين مروا أمام ناظريه في كل مكان من أماكن اللجوء والشتات والتهجير والبؤس ؟؟ أسئلة هو نفسه كان لا يعرف أنه سيسأل عنها ذات يوم ومن كل فاه طفل شرده انهزام الأمة، وقبل أن يهاجمه اليأس في البحث عن إجابات طفلتيه ميساء ولمى, اختار الهجوم, والهجوم هو خط ثوري للدفاع و للمباغتة لقياس رد الفعل للطرف الآخر,, يقول الحكيم جورج حبش مخاطباً ابنته الكبرى ميساء” .

“يا روح قلبي ؟؟؟ هل تظنين أنني بعيد عنك يا بابا ؟ غلطانة يا ميساء أنا دائماً معكم يا بابا روحي معكم كل يوم قلبي معكم دائما وفيما عدا أوقات العمل فإن عقلي معكم كذلك أنا معك يا بابا دائماً معك في المدرسة وفي الباص وفي البيت … وأيام الأحد .. كوني مطمئنة وسأبذل جهدي يا حبيبتي حتى تري أنني معكم بعينيك بأقرب فرصة ممكنة …

هل تظنين يا ميسا أنني أحب أن أكون بعيداً عنكم يا بابا ؟؟

هل هذا معقول ؟؟ المسئول عن بعدنا يا حبيبتي هم أعداء الشعوب “اسرائيل” والرجعيين والاستعماريين .. لأنني أحبك كثيراً ولأنني أحب كل الأطفال الأبرياء الذين مثلك تركتك يا بابا كي أقاتل هؤلاء الأعداء وأحميك يا حبيبتي ومعك كل الأطفال من شرهم وظلمهم ووحشيتهم .. وعندما تكبرين يا بابا وتصبحين في الصف الأول إعدادي سأشرح لك كل شيء ..

أريد أن تكتبي لي عن كل نكات لمى وحركاتها..

كما أريد يا حبيبتي أن تحبي ماما أكثر مني بكثير لأنها أحسن مني مليون مرة وأجمل مني ألف مليون مره طبعاً.

نص يحمل في طياته دروس وعبر ويحتاج ربما لأكثر من قدراتنا الشخصية على تحليل مضامينه النفسية والاجتماعية والفلسفية العامة .

وعندما يكون الحديث المرسل للزوجة, الأم,المثابرة, الإنسانة, يكون الحديث أكثر صعوبة, وأحياناً يحتاج لدقة متناهية, فهو تركها “لأجلها ” تركها, لأجل أن تعود الحياة أجمل وذات معنى بعيد عن الحرمان, والفقدان, والانفصال, المؤلم بين الاشتياق لحضن الزوجة وحضن الوطن, تركها لأجل كل الأمهات الثكلى, ولأجل كل الزوجات،  ولأجل كل تلك اللواتي تنفطر قلوبهن صباح مساء على كلمة “وداعاً” حتما نلتق ” تبقى الحتميات هنا عالقة.هل نلتقِ ثانية, أجساداً مقاتلة من أجل الحب والحرية,أم أرواح وذكريات وعهود لنفس ذات الهدف، يقول الحكيم الثائر “جورج حبش في رسالته لزوجته ورفيقه دربه هيلدا حبش”يقول “هل تظنين يا هيلدا أنني لا أفكر بموعد لقائنا ..أنا أفكر ربما أكثر منك والشوق يأكلني أكلاً متى ستلتحقين بنا كثائرة وليس زائرة ؟؟؟ “

رسائل الحنين من وجدان الثائرين مدرسة إنسانية فلسفية متكاملة خطّها حكيم الثورة وقائدها وتتلمذ فيها جيش الثائرين ,المشتاقين للحب وللحرية, هذه الرسائل طيور حب, ترفرف بأجنحتها في فضاء المشاعر, وتقطن مساكن الأفكار, لتزرع الأمل بالثورة من جديد والثورة لا تموت, الثورة توأم حياة وحنين

لروحك عهد ووعد,على الطريق نمضي، حتماً لمنتصرون

ماري

فلسطين المحتلة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى