أخبار محلية

ذياب لـ نداء الوطن: لدينا قلق من عزوف المواطنين عن الانتخابات والقانون لم يشكل رافعة لتطوير العمل الحزبي

نستضيف في هذا العدد الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني والحديث حول المشهد الانتخابي في الأردن.

نداء الوطن: مع ظهور القوائم الانتخابية وحجم المعيقات التي واجه تشكيلها، هل لا يزال تقييم الحزب لقانون القوائم النسبية المفتوحة قائماً أم أن هنالك إعادة نظر في قراءتكم للقانون؟ وكيف ساهم غياب عتبة الحسم وصغر الدوائر وجعل القوائم مفتوحة في ضرب فكرة النسبية؟
د. سعيد: تجري الانتخابات والمواطن لا يزال تحت وطأة وتأثير قانون الصوت الواحد. هذا القانون -الصوت الواحد- استطاع على امتداد ربع قرن أن يكرّس الفردية والأنا والتبعية، وأصبح الانتخاب يقوم على العلاقة الشخصية. كما أضحت عملية الانتخابات لا تستند إلى رؤية أو برنامج سياسي لهذا المرشح أو ذاك.
أعتقد أن هذه الذهنية والعقلية انعكست بشكل واضح وكبير على الانتخابات والقانون الحالي، فلاحظنا الصعوبات في تشكيل القوائم، كما لمسنا أنه على الرغم من تكريس القانون للقوائم، إلا أن عملية الدعاية الانتخابية ما زالت محكومة إلى لغة الفرد.
لماذا هناك صعوبة في تشكيل القوائم؟ صحيح أن هذا القانون أقر عملية التمثيل النسبي، ولكن كي يعطي التمثيل النسبي دوره وفائدته وانعكاساته الإيجابية هو بحاجة إلى دائرة كبيرة، وهذا لم يحدث في تفاصيل القانون، حيث نلحظ أن أكبر دائرة انتخابية لا تتجاوز العشرة مقاعد. وبالتالي هنالك استحالة لنجاح أية قائمة بأكثر من مقعد نيابي “مسلم”.
لهذا السبب أصبح كل مرشح منشدّ لتشكيل هذه القائمة الصغيرة بحيث يكون هو العراب لها والآخرون عوامل مساعدة لنجاحه، بينما التمثيل النسبي هو التعامل بلغة الفريق الذي يعمل سوياً بشكل مشترك من أجل تعزيز القائمة، وهذا ليس فقط لأن الدوائر صغيرة، بل لأن الدوائر مفتوحة. كما أن المشرّع لم يشر إلى أن تأخذ الدوائر الطابع الحزبي.
وبالرغم من التمثيل النسبي والحديث عن مغادرة الصوت الواحد، إلا أن الفرد المتنفذ القوي لا يزال يفعل فعله في عملية الانتخابات. مسألة “عتبة الحسم” شجعت كل فرد أن يدخل هذا المخاض ولم يشكل القانون حتى اللحظة -لغياب مسألة العتبة- رافعة للأحزاب. هذه المسألة يجب إدراكها لأنه في ظل “عتبة الحسم”، فإن الأكثر قدرة على توفير نسبة التمثيل هي القوى الحزبية، ما سيؤدي إلى الحد من النفوذ البيروقراطي والعشائري على مستوى الفرد. لكل ما سبق لا زلنا نعيش بإشكالية المجلس النيابي.

[quote font=”georgia” color=”#dd3333″ bgcolor=”#dddddd” bcolor=”#dd9933″ align=”left”]ذياب: نسعى لإعادة الاعتبار والهيبة لمجلس النواب بعد أن دمرتها مجالس “الصوت الواحد”[/quote]

نداء الوطن: نحن ومنذ أكثر من ثلاثين عام، نرى التنسيق الدائم بين الأحزاب القومية واليسارية بأشكال متعددة، الملتقى الوطني، لجنة التنسيق العليا وباللجان المشتركة، الجبهة الوطنية للإصلاح، وأخيراً ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، إلا أنه في المحطات الرئيسية كنا نلحظ دائماً بأن هناك افتراق في المواقف، رغم أن هذه المحطات الرئيسية يجب أن تكون ثمرة هذا التوافق، الآن الأحزاب القومية واليسارية لم تستطع أن تشكل قوائم موحدة على المستوى الوطني، ما هو تفسيرك لهذا الافتراق؟ لماذا لم نستطع أن نشكل هذه القوائم الوطنية التي يكون عمادها الرئيسي الأحزاب القومية واليسارية خصوصاً بأن الحزب عندما أعلن مشاركته كان يركز على هذه النقطة؟
د. سعيد: ليست فقط تجربة الأحزاب القومية واليسارية، حتى في تجربة لجنة التنسيق، أزمة العمل المشترك والمعارك الديمقراطية المشتركة كانت غائبة، حتى الناس كانت تسأل كيف تنسقون كلجنة تنسيق وتخوضون المعارك الانتخابية متصارعين ضد بعضكم البعض، ولم تتحقق إلا في مرات قليلة بأن نشكل شيء مشترك حتى في النقابات، وبقي القاسم المشترك لهذا المستوى من التنسيق يحكمه الموقف السياسي.
هذا يعني أنه رغم تكرارنا باستمرار أننا متفقون ولكن في الجوهر والعمق كان هناك خلافات كبيرة وغير ظاهرة وغير معلنة، بدليل أننا كنا نسعى إلى البحث عن التوافق على موقف وكأن العمل المشترك منذ لجنة التنسيق حتى الائتلاف هو التنسيق على موقف لا أكثر ولا أقل، لم يترق هذا إلى العمل المشترك الميداني، لهذا بقيت هذه الأطر قاصرة عن القيام بدورها في عملية البناء الوطني الديمقراطي.
أحياناً تتباين الأحزاب في قراءتها للواقع، وتتباين الأحزاب في موقفها من السلطة التنفيذية، وهذا التباين في الموقف من السلطة التنفيذية قد يحتكم إلى مسألتين؛ إما التمسك بالموقف المعروف والواضح جداً من السلطة التنفيذية، أو الدخول بمساومات بشكل أو بآخر مع السلطة التنفيذية، عدم وضوح الموقف من السلطة التنفيذية هو الذي يعطل عملية التنسيق المشترك. والسلطة التنفيذية تدفع باتجاه المساومة، ولكن باعتقادي هناك قابلية لدى البعض للتناغم مع بعض السياسات الحكومية تحت شعار الواقعية.
المسألة الثانية نعم هناك خلافات سياسية في طبيعة التناقضات التي تعيشها الدولة الأردنية، في نظرتنا للقوى الطبقية الحاكمة وكيفية التعامل معها، في الموقف من الحلف الطبقي الحاكم، إلى أي مدى هذا الحلف الطبقي الحاكم عنده استعداد ليحدث عملية التغيير الوطني، أو القبول بالتغيير الوطني الديمقراطي.
مثال: عندما نأتي ونقول أننا نحن كحزب أن حكومة فايز الطراونة تقود عملية الردّة عن الإصلاح ونطرح مقاطعة الانتخابات، ويأتي رفاقنا ولا يشاركوننا في هذا التحليل بل يشاركون في عملية الانتخابات هذا واضح جداً بأن هناك خلاف سياسي عميق في التعامل مع حكومة فايز الطراونة، ويندرج هذا الموقف على حكومة عبدالله النسور، حتى وإن اتفقنا لاحقاً في قرارات اقتصادية ولكن في الجوهر نحن كنا مختلفين في الموقف. وتصوري أن عدم التوافق في تفاصيل القضايا هي التي تعطل مسألة العمل المشترك. مسألة أخرى، هناك تنافس بين الأحزاب، قد يقول قائل أن هذا شيء طبيعي، ولكن يكون هناك أحياناً بشكل مبالغ فيها، وتطغى ذاتية العمل الحزبي وتقود إلى تعطيل العمل المشترك.
على كل حال غياب العمل المشترك الميداني هو أحد تجليات أزمة العمل الحزبي، قد يكون هذا هو التفسير لغياب العمل المشترك، ولكن مهما كانت التفسيرات، فإن غياب العمل المشترك بين الأحزاب هو أكبر تجلي لأزمة الأحزاب.

[quote font=”georgia” color=”#dd3333″ bgcolor=”#dddddd” bcolor=”#dd9933″ align=”right”]

 ذياب الحكومة أخذت تتدرج في الخصخصة بالصحة والتعليم وخلقت نوعاً من التعليم الطبقي[/quote]

نداء الوطن: يشارك الحزب في هذه الانتخابات من خلال قائمتين، ما هي العناوين الرئيسية للبرنامج الانتخابي للحزب والتي يخوض على أساسها هذه المعركة الانتخابية؟ وما هي الأسس التي تم بناء التحالفات على أساسها؟

د. سعيد: الحزب انطلق في التعامل مع موضوع الانتخابات وبناء التحالفات من رؤية اللجنة المركزية التي قالت أن علينا أن ننطلق في التحالف بالأساس مع أحزاب الائتلاف القومية واليسارية ثم نوسع الدائرة لفعاليات وطنية وأي قوى سياسية ممكن أن تتشارك معنا في برنامج وطني ديمقراطي.
عند الترجمة العملية لهذا القرار، واجهتنا العديد من العقبات، أولاً في كيفية ترجمة هذه الرؤية مع الأحزاب القومية واليسارية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية في تباين مواقفنا كأحزاب في كيفية تعاملنا مع الفعاليات السياسية والمرشحين الآخرين، هذا التباين وضعنا بشكل أو بآخر على طريق الاختلاف.
المسألة الأخرى، أن الأحزاب القومية واليسارية لم تقدم مرشحين، حيث أن بعض الأحزاب قدمت مرشحاً واحداً وبعضها الآخر لم يقدم أية مرشحين. وبالتالي غياب المرشحين الحزبيين عطل فرص القدرة على وصول قوائم حزبية في عمودها الفقري التي تتسع لتشمل المزيد من الفعاليات، لذلك وجدنا أنفسنا كحزب نواجه مشكلة حقيقية في تشكيل القوائم، مثلاً في عمان في الدائرة الثالثة، وفي الكرك وفي الدائرة الثالثة بإربد، هذا بسبب غياب مرشحي الأحزاب الذين يمكن أن نتحالف معهم من جهة، وسيطرة الجانب العشائري.
المسألة الأخرى كل هذه العوامل دفعتنا إلى أن نبدي درجة عالية من المرونة في عملية تشكيل القوائم، نجحنا في تشكيل قائمة في الزرقاء وأخرى في إربد، في السياق العام تم طرح برنامج محدد المعالم للقائمتين.
نحن كنا ننظر بأن مجلس النواب قد تراجع في مكانته ودوره على المستوى المؤسسي كمؤسسة، وبالتالي رفعنا شعار في القائمتين إعادة الهيبة والاعتبار لمجلس النواب. أيضاً ثبتنا في البرنامج أن سبب رئيسي من المشكلة الرئيسية التي تعيشها البلاد وتجلياتها في الفقر والبطالة يعود لالتزام الدولة باشتراطات ومتطلبات المؤسسات الدولية وبالأساس صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، لذلك طالبنا بالفكاك من هذه المؤسسات والدفع باتجاه سياسة الاعتماد على الذات.
وطرحنا قضية الإصلاح السياسي وإعادة النظر بمنظومة القوانين الضريبية، ضريبة الدخل والمبيعات، ثم القوانين الناظمة للحياة السياسية، قانون الانتخاب والأحزاب والمطبوعات والنشر والاجتماعات العامة لأنها تستغل كمدخل لتقييد الحريات العامة.
وأكدنا أيضاً على مطالبنا بأن نسعى لدفع الحكومة من أجل أن تنطلق في سياستها الخارجية من مسألتين: أن تكون جزءً من القوى التي تواجه المشروع الأمريكي الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل من أجل استرداد حقوقه، وترجمات هذا الشعار تكون وقف التطبيع مع العدو الصهيوني، وتهيئة الأردن لإغلاق سفارة العدو الصهيوني ومن ثم الوصول إلى مرحلة إلغاء الاتفاقية، هذه ترجمات وخطوات تقودنا بشكل متدرج إلى تخليص الأردن من عملية التبعية السياسية والارتهان الكامل للمركز الرأسمالي.
وفي الجانب الاجتماعي الصحة والتعليم تلامسنا هذا الموضوع، الحكومة أخذت تتدرج في الخصخصة بالصحة برفع الرسوم سواء العلاجية أو المخبرية وهذا بدأ يشكل عبء على المواطن وطرحنا مسألة التأمين الصحي الشامل. في التعليم وقفنا أمام رفع الرسوم المتدرج وأن هناك معضلة حقيقية وبأن هذه السياسة ستقود البلد إلى ما يسمى خصخصة مقنعة للجامعات، وإن كانت الجامعات ملكية الدولة إلا أن الطالب يدفع رسوم عالية مماثلة لرسوم الجامعات الخاصة وهذا يعني أن الدولة تتحول كمستثمر في الجامعة.
خطورة هذا النهج أنه سيقود إلى خلق نوع من التعليم الطبقي، بمعنى أن هناك صعوبة على الطلاب الفقراء من أن يتعلموا هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لمسناها قضية آلية القبول في الجامعات ثم النظام التعليمي بشموليته سواء كان المدرسة أو الجامعة، هذا التعليم يجب أن يعاد النظر فيه بعمق من حيث المناهج وإعداد المعلمين بحيث يحول طريقة التعاطي مع المعلومة بشكل مختلف عن أسلوب التلقين السائد، وهذا يأتي في سياق رفض سياسات صندوق النقد الدولي، تقريباً هذا هو برنامج رفاقنا في دائرة الزرقاء وإربد.
نداء الوطن: هل أنت متفائل أم متشائم من النتائج التي ستخرج منها الانتخابات، وماذا تتوقع في ظل أرقام استطلاعات الرأي حول النسبة الكبيرة من العزوف، هل المجلس القادم سيكون أفضل حالاً من المجالس السابقة، أم لا زلنا في نفس المربع؟
د. سعيد: أنا قلق، فهناك سببين للقلق، أولاً هناك حالة من العزوف يحكمها ذهنية الناس عن المشاركة في الانتخابات وسببه واضح أن تجربة الناس مع المجالس النيابية كانت تجربة سلبية، وفعلاً كان أداء مجلس النواب في الحضيض، فلم يشعر المواطن بأن هناك مجلس يقوم بدوره يراقب السلطة التنفيذية ويبذل جهداً في التشريع، المجلس كان متلقي، لذلك من حق الناس أن تقلق وتعزف عن المشاركة في سياق هذه التجربة. القلق الثاني، نحن في خبرتنا على امتداد ربع قرن في المجالس النيابية، أنها اتسمت بعدم النزاهة، وغياب النزاهة في الانتخابات لم يكن حالة هنا أو هناك، بل كان نهجاً سارت عليه الحكومات، والأغرب من ذلك بأن الأجهزة الأمنية تفتخر في نسبة تحديد الانتخابات والناجحين.
كلما ارتفع منسوب النزاهة سيرى المواطن بأن هناك خطوة على طريق التغيير، ولكن إذا تدخلت الأجهزة بنفس الآلية السابقة، بالتأكيد سنكون أمام انتخابات غير نزيهة.
نداء الوطن: بتصورك العامل الأساسي للعزوف عن الانتخابات غياب النزاهة أم أن القانون نفسه لعب دور؟
د. سعيد: هذا القانون يوجد به شوائب، مناخ الصوت الواحد، والمال السياسي الذي ما زال موجود بعدة أشكال، شراء أصوات الفرد، شكل شراء أصوات الجماعة، وشراء أصوات المرشح (مرشح الحشوة)، هذا القانون يقلص حجم المراهنات على النتائج، لكن إذا توفر قليل من النزاهة وتم محاربة المال السياسي بجدية حقيقية وهذا لم يحصل لغاية الآن، ولا يوجد أي خطوة تحذيرية لمن يقومون بهذا الدور. الأمر الذي يجعلنا لا نراهن على تغيير المجلس النيابي كثيراً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى