ذكرى وفاة عبد الناصر / د. أحمد العرموطي
في 28/9 من كل عام تأتي ذكرى وفاة القائد جمال عبد الناصر طيب الله ثراه ورحمه الله رحمة واسعة. تأتي الذكرى السادسة والأربعون على وفاته والأمة العربية تمر في أحلك الظروف حيث تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية تتحالف فيها القوى الاستعمارية والرجعية والصهيونية من أجل تقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية خدمة للأهداف الاستعمارية والصهيونية لتنعكس سلباً على الوطن والمواطن العربي في كل مكان ولحرمانه من حقه في الحرية والكرامة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية وتحقيق وحدة أمته لتأخذ دورها الحضاري الإنساني تحت الشمس.
لقدعملت هذه القوى المتآمرة على خلق الفتن باسم الديموقراطية تارة وباسم الدين تارة أخرى وأصبحت الدول العربية الإقليمية غير قادرة على الدفاع عن ذاتها وضاعت قضية فلسطين وأصبحت في آخرالاهتمامات العربية وأصبح مخطط الأعداء يسعى لنهب ثروات الأمة،وتقسيم المقسّم من الدول العربية لتحقيق أهدافهم وحماية للكيان الصهيوني.
إن ثورة 23 يوليو جاءت مستلهمة أهداف الأمة العربية التي تجسدت بالمشروع النهضوي الحضاري العربي (المشروع الناصري) المتمثل في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية والتنمية المستقلة واسترداد كامل الأراضي المحتلة، ومنذ اليوم الأول لنجاح الثورة قامت ثورة 23 يوليو بتنفيذ مشروعها النهضوي على مختلف الأصعدة:
1_ على الصعيد الداخلي: قام عبد الناصر بالإصلاح الزراعي ووزع الأراضي على الفلاحين وأمّم الشركات الصناعية الكبرى والأجنبية والبنوك وشركات التأمين وجعلها ملكاً للدولة(قطاع عام ) وأنشأ قاعدة صناعية كبرى، كما حدد أجور العمال وجعل لهم ممثلين بمجلس الإدارة مع نسبة محددة من أرباح توزع عليهم، وجعل التعليم بجميع مراحله مجانياً، كما أمّم قناة السويس وبنى السد العالي وعشرات الجامعات وآلاف المدارس وخاصة في الأرياف والقرى لتأمين التعليم لأبناء الفقراء والفلاحين والعمال.
وأعاد بناء الجيش المصري على أسس وطنية قومية وكسر احتكار السلاح من خلال صفقة السلاح التشيكية، ورفض الأحلاف العسكرية الأجنبية كحلف بغداد، وطوّر الأزهر وجعله جامعة تدرس الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى مختلف العلوم والطب والهندسة، وحدد بالقانون أن 51% من أعضاء مجلس الشعب هم من العمال والفلاحين.
2_ على الصعيد العربي: أكد على وحدة الأمة العربية ومصيرها المشترك ودعم كل حركات التحرر العربية التي تحارب القوى الاستعمارية، فدعم ثورة الجزائر، واليمن وفلسطين وغيرها من حركات التحرر العربية، وأنشأ منظمة التحرير الفلسطينية، وأقام أول دولة للوحدة في القرن العشرين عام 1958 بوحدة مصر وسوريا وإعلان الجمهورية العربية المتحدة. وبالرغم من نكسة حزيران وظروفها السيئة، لم يستسلم ورفع شعار لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف بالكيان الصهيوني، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية عسكرياً ومالياً وسياسياً من أجل محاربة العدو الصهيوني.
3_ على الصعيد الخارجي: أكد جمال عبد الناصر على مواجهة القوى الاستعمارية والصهيونية وأقام علاقات قوية ومتميزة مع القوى اليسارية والاشتراكية في العالم وفي المقدمة منها الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وغيرها من الدول الاشتراكية، كما ساهم بشكل قوي بتأسيس منظمة دول عدم الانحياز ودعم كل حركات التحرر العالمية مادياً وعسكرياً وسياسياً في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
إن الأوضاع الحالية للأمة العربية تؤكد صدقية وموضوعية المشروع الناصري وأنه لا يزال يعبر عن الأمة وأهدافها وهو قابل للتطبيق للخروج من الأوضاع السيئة التي تمر بها الأمة العربية من خلال وحدة وتكاثف كافة القوى التي تقف في وجه القوى الرجعية والاستعمارية والصهيونية
وإن فلسطين كانت وستظل البوصلة الحقيقية للمشروع الناصري ضمن رؤية عربية موحدة.