مقالات

“دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى”/ بقلم: جهاد المنسي

من المفترض، وفق ما قال ستيفان دي ميستورا، مبعوث الامم المتحدة الى سورية، أن تبدأ محادثات جنيف الثالثة بعد يومين، أي يوم الجمعة المقبل الواقع في التاسع والعشرين من الشهر الحالي.
وقد جاء تأجيل المحادثات بين الأطراف السورية التي كان من المفترض ان تبدأ الاثنين الماضي، وفق دي ميستورا بسبب استمرار النقاش حول قائمة الدعوات المتعلقة بالمعارضة، وخاصة في ظل تنامي دعوات لجلوس شخصيات لُطخت أيديها بالدم السوري، بحسب المعارض الليبرالي هيثم مناع، فيما تستبعد تلك القوى التي تطلق عن نفسها “معارضة” مناع عينه من حضور المشاورات، كما تستبعد قدري جميل وآخرين.

ورغم أن دي ميستورا استبعد مشاركة ممثلين عن تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” الإرهابيين، إلا أن المناقشات ستبقى مستمرة حتى اللحظات الاخيرة بشأن تمثيل جماعات أخرى، بعضها مسلحة وإرهابية، خاصة أن كيانات إقليمية تضغط لمشاركة مثل أولئك في المشاورات.

مفاوضات جنيف المرتقبة تأتي في وقت اختلفت فيه موازين القوى، فعلى الأرض، هناك انكماش وتقهقر وهروب لكل قوى المعارضة المسلحة التي فرّت من ريف اللاذقية وريف أدلب وجبل التركمان، وفي الوسط يجري الأمر عينه من انكماش وتقهقر وهروب. أما في الجنوب، فإن الجيش العربي السوري تسلم المبادرة، وبات هو الذي يحدد الهدف ويقرر وقت تنفيذه وساعة المراجعة، وبات على قرب كيلومترات قليلة من الحدود الدولية الجنوبية، الأمر الذي يسمح له بعد ذلك بالذهاب باتجاه تدمر والرقة ودير الزور، وإعادتها لحضن الوطن السوري.

كما تأتي مشاورات جنيف في ظل تبدل مزاج العالم بشأن الازمة السورية، وخاصة بعد أن ظهرت حقيقة دول وكيانات، أصبح العالم أكثر قناعة بأنها تمول وتدعم تنظيمات إرهابية، وأن ذاك الإرهاب بات لا يشمل الوطن السوري فحسب، بل بات يضرب في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأحيانا أميركا.   

محادثات جنيف المقبلة لن تكون سهلة، وتأتي بين فريق يعرف ما يريد، وفريق آخر ينطلق من أجندات دولية ومرجعيات غير وطنية، ويسيطر عليه هاجس الجلوس على مقعد الحكم، أكثر مما يسيطر عليه الوطن السوري ووحدته، والحفاظ على مقدرات الدولة وتماسك جيشها.

الأمر الجلي أن سواد الجالسين في صفوف المعارضة لا يمتلكون حضورا واقعيا على الأرض، ويعانون من إشكالية بنيوية تتمثل في غياب الهدف والرؤية، اللهم سوى ترديدهم معزوفة مشروخة، مفادها أن لا وجود للأسد في المرحلة المقبلة من دون صناديق الاقتراع، فهم يرفضون فكرة الانتخاب أصلا بوجود الاسد، ويريدون فكفكة الدولة وتشكيلها وفق رؤيتهم، والذهاب بها نحو الخراب على شاكلة ليبيا التي تعاني ما تعانيه الآن من وجود تنظيمات ارهابية، وتشظي قوة المعارضة فيها، وسرقة مقدراتها.

أما القصة التي تكشف حقيقة تشظي الرؤية عند رموز المعارضة تلك، فهي تتجلى في وضعهم “فيتو” على معارضين آخرين، بمعنى ان أولئك الذين يحدثوننا عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان يوميا، عبر أجهزة الاعلام التي تسوق لهم، لا يريدون غير صوتهم، ويرفضون أي صوت آخر معهم، حتى لو كان معارضا للنظام، فيرفضون حضور معارضين ليبراليين وأكراد ومحليين لأنهم يعرفون أن العواصم الاقليمية التي تدعمهم للوصول إلى دمشق، ترفض مشاركة اولئك المعارضين في مشاورات جنيف، لأن فكرة أولئك المعارضين المحليين والليبراليين مختلفة ولا تتوافق مع رؤية عواصم القرار التي يستمدون منها موقفهم.

موعد جنيف اقترب، وبعده سيعرف العالم عن كثب مدى ضياع البوصلة عند بعض من سيجلس في جنيف، ويعي أن حقيقة الأمر عند معارضين، ليست الوصول إلى دولة مدنية ليبرالية تحترم الإنسان وحقوقه، وإنما استبدال نظام له رؤية معينة يتحالف مع أاطراف معينة، باأشخاص لهم رؤية مخالفة ويتحالفون مع أطراف مختلفة.   

في كل الأحوال، فإن الخاسر الوحيد سيبقى الإنسان السوري، ولكننا على يقين أن الفجر لا بد طالع، وسنبقى نغني مع الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري لدمشق، حاضرة شامنا الذي نحب: “دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ سَبائِكُ الذّهَبِ الغالي فما احْتَرَقا“.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى