مقالات

دعماً للديكتاتورية!/ بقلم: محمد فرج

هو حقاً حوار أقدم بكثير من حوارات المقاهي، وأقدم من الصراعات الفكرية الخشنة بين ماركس وباكونين، الدولة كطريق إجباري للشيوعية عند الأول، وكعقبة يمكن القفز عنها عند الثاني. وأقدم من جون لوك في حصر استخدام القانون الطبيعي في حالات غياب القدرة على تنفيذ القانون العام، ومن يأس توماس هوبز الذي عاد وأيد الملكية المطلقة رعباً من البدائل المتوفرة بعد سقوطها، وستطول السلسلة ديوجين المتوحد في برميله، وأفلاطون في حواراته عن ديكتاتوريا العموم.

هو السؤال القديم الجديد إذن، الدولة ودواعيها، الفوضى واستحقاقاتها، الحضارة وهمومها واستبدادها، الحرية المطلقة ولهوها والمواجهة المكشوفة مع برد الطبيعة وقسوتها.

 في الفهم المادي للتاريخ، ننظر إلى الدولة على أنها نتاج طبيعي لتطور أدوات الإنتاج وعلاقاته، وبوصفها أداة للسيطرة على الثروة والبحث في آليات توزيعها، وهذا صحيح تماماً، ولكنه لا ينفي عدداً من الملحقات، غير البسيطة أيضاً.

فالدولة هي كذلك دعوة السلطة البريطانية لأبنائها لقبول استعمار العالم كي تتوقف الحرب الأهلية في الداخل بين العمال وأرباب العمل، وهي كذلك النداء الأوروبي لحقن الدماء، وهي كذلك عراقة الإغريق وافتخارهم القومي، وهي التي تحارب العدو المتربص من الخارج وعلى ذلك قام المشروع القومي العربي، وهي أيضاً الدولة السورية كنجاة من نسخ الصورة العراقية والليبية، وهي كذلك الرابط المقدس الذي أسكت جمهوراً عريضاً في الدولة العثمانية عن سفك دماء الأرمن والبلغار وسكان البلقان في القرن التاسع عشر، وهي كذلك التي وضعت الإيرانيين أمام سؤال الموت أو الحياة في حقبتين أساسيتين في القرن العشرين.

الدولة، لا تختصر في مساحات الأفكار العامة وفي المقارنات النظرية البراقة بين حرية الطائر والاستبداد، ولكنها أيضاً سياقات عملية في حقول الاقتصاد والسياسة والاجتماع وعلم النفس، ومراحل لا يمكن حرقها بالإرادة العاطفية وحدها. في المراحل التي تعبر فيها الدولة عن مواجهة لعدو خارجي، وعن دور في إعادة تشكيل العالم، وعن تهميش للتفاعلات الثانوية لصالح القضايا الكبرى، وعن خطوات ملموسة في التقدم ولكنها تتعرض لهجوم عالمي شرس ومحاولات إجهاض… عندها سيفرح الكثير من الفنزويليين أن ترفض الحكومة البوليفارية العقاب “الديمقراطي”، وسيقبل الكوبيون بكاسترو مدى الحياة، وسيقبل ميدفيديف أن يلعب دور المدفأة إلى حين عودة بوتين، وسنتقبل نحن باسمين، وساخرين، تهم الديكتاتورية والاستبداد !

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى