دراما….. هل انتصر المال…. هل تنتصر ام هارون
ابحث منذ ايام عن مسلسل….
منذ ان بدأت اهتم بهذا النمط الفني (المسلسلات) وانا احضر على الاقل مسلسل في رمضان ولكني الى الان لم اجد ما يستهويني.
دائما ما ابدأ بالمسلسلات السورية وابحث عن حاتم علي الذي قدَم “أحلام كبيرة، والتغريبة الفلسطينية، والزير سالم، و الغفران” والعديد من التحف الفنية ليس موجودا في الموسم الرمضاني. ومن عمل معه بأكثر من عمل ومن ثم ابدع في في العديد من الاعمال، المخرج المثنى صبح صاحب المسلسل الرائع “ليس سرابا” يطل علينا بمسلسل مشترك سوري لبناني بأبطال كبار وإمكانيات مبهرة ومحتوى يضيق به الصدر. ومثله الليث حجو الذي نحت منحوتته عام 2016 وسماها “الندم” والعديد من الاعمال المهمة، هو ايضا اغرته الدراما المشتركة، والاسماء الكبيرة دون الالتفات للمحتوى. العام الفائت كان سيئاً ايضا ولكني وجدت عمليين فنيين جميلين، الاول والاجمل هو ” ترجمان الاشواق ” العمل الممنوع من العرض منذ عام 2017، والثاني ” عندما تشيخ الذئاب” بمشاركة في الانتاج من قناة ابو ظبي والتي عُرض من خلالها، استوقفتني جدا هذه المعلومة، لماذا تقوم القناة بانتاج وعرض هذا المسلسل بالذات، والمفارقة هنا انها حذفت العديد من مشاهد المسلسل. اما هذا العام و على الرغم من وجود مسلسل مثل “حارس القدس” للمبدع باسل الخطيب الا ان الموسم بقي الاسوء من منذ اكثر من 20 عاماً، فلم نجد شيئاً للفرجة والمتعة. بالاضافة الى وجود المسلسل التطبيعي ” ام هارون” الذي اشاع الفزع من شدة الهجمة ووصولها بالشكل المباشر والى كل بيت خصوصا انه يبث على اقوى الشبكات العربية رواجا ” أم بي سي”،
ووسط هذا كله اخذت اتذكر وابحث من خلال المصادر المتاحة….
إرهاصات…
قبل عام 2010 كانت الدراما السورية في اوجها، وتقدم أجمل ما قدمته الشاشة الصغيرة على المستوى العربي على الاطلاق من حيث المحتوى وبإمكانياتها المعقولة بتلك الفترة انتجت ملاحم وانا هنا لا اتحدث من حيث التصاقها بالقضية الفلسطينية او لا, انا اتحدث من حيث المحتوى الفني لانه في حال صلح تصلح بقية القضايا، فمسلسل “بقعة ضوء” على الرغم من تفاوت اجزاءه من حيث القيمة الفنية الا انه علامة من علامات الدراما السورية الذي سجل قضايا بسيطة جدا في طرحها ولكنها عميقة جدا بمحتواها.
في هذه الفترة إقتصر الانتاج في الاردن على المسلسلات البدوية، الى العام 2007 ,حيث قُدَم مسلسل الاجتياح الذي اخذ الضجة الكبيرة حينها بسبب قصته التي تتمحور حول مجزرة “إجتياح” مخيم جنين خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية وقد كان هذا الانتاج الضخم في وقتها، والاروع اذا ما نظرنا له بنظرة سطحية، لا تدخل الى عمق ما قدمه من محتوى فقد قدم قصة الحب بين المقاوم الفلسطيني و الفتاة ” الاسرائيلية ” التي أمنت له طريق النجاة من المخيم. وأعتقد هذا ما جعله ينال جائزة ايمي الامريكية و ان هذا تحديدا ما لفت انتباه القائمين على الجائزة، ليس مجزرة المخيم او ما قُدم من قِبل “شوقي الماجري” من حرفية بالاخراج.
دعونا نسأل انفسنا سؤال بسيطا جدا كيف لمسلسل يتناول مجزرة بحق الشعب الفلسطيني أن يأخذ جائزة امريكية؟؟؟
البدايات والمحاولات……
بعد عام 2010 بدأ المُنتج الخليجي يظهر على الساحة الدرامية فبدأت تظهر الاعمال السورية المُنتجة خليجياً وبنفس الوقت إنتشرت الاعمال التركية المدبلجة التي حملت قضايا بعيدة عن قضايا مجتمعنا بالاضافة الى البذخ الشديد الموجود داخل هذه الاعمال سواء بالصورة او بالانتاج.
في سوريا هناك مواهب حقيقية تستحق الاحترام وهناك ايضا صناعة حقيقية للمسلسلات، وهذه الصناعة اذا سخر لها جزء من اموال الخليج في هذا المجال، فإنها تستطيع ان تقدم هذا المنتج بأبهى صوره وتبهر المستهلك كما هو الحال في الدراما التركية. وهذا ما كان ولكن بشكل أضر المحتوى بل كان على حسابه
وعلى الرغم من إجتياح المسلسلات التركية للسوق العربي في تلك الفترة بقيت الموسم الرمضاني خارج هذا الاجتياح وتسابقت القنوات على الانتاج للموسم الرمضاني، وتكلل التعاون الخليجي السوري في عام 2012 عندما أُنتج مسلسل “عمر بن الخطاب” بإنتاج مشترك بين قناة “ام بي سي” و “مؤسسة قطر للإعلام” وبميزانية تجاوزت “200 مليون” ريال سعودي (ما يقارب 65 مليون دولار امريكي) حيث كان الانتاج الاضخم الى ذلك الوقت وابدع حاتم علي في كل مشهد من مشاهد المسلسل، ولكن كانت ينقص العمل شيئاً ما، شيئاً لا تستطيع الامكيانيات ان تأتي به، انها الروح، وليس الابداع، فلم يكن في العمل روح الكاتب وروح المخرج وررح الممثل ، روح العمل الفني الحقيقي، هذه الروح التي كانت تملكتنا بملامح خالد تاجا وهو ينتظر عودة ابنه الذي لن يعود، ولماذا لن يعود؟؟ ببساطة لانه استشهد اثناء معركة الدفاع عن قريته في فلسطين في مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، كما كانت تأسرنا في صوت باسل خياط المرتجف وهو يقول لقتلة حبيبته “ولكم ليش كتلتوها” في ذات المسلسل.
انتاج ضخم مبهر وإمكانيات هائلة انتجت عملاً بلا روح، وإمكانيات جيدة ومناسبة انتجت عملا متكامل فنياً.
الانتاج المصري….
“الربيع العربي” اعاد الدراما المصرية الى الساحة، ولكن دون الألقها القديم ، دون بساطة حسن النعماني بمسلسل “ارابيسك” او دلع صفية العمري في “ليالي الحلمية” او صوت على الحجار في “المال والبنون”
العودة المصرية الى الانتاج كانت بحاجة الى مثل هكذا هزات حيث كانت قبل ذلك منغمسة بالانتاج السنمائي وغير آبه للشاشة الصغيرة سوى ببعض الانتاج الذي في اغلبه إنتاج يعتمد حتى حرفيا على الادوات القديمة (ثلاث كاميرات ثابتة لتصوير المشهد) بينما كان الفنيين في سوريا يحركون الكاميرا ويسيرون بها ويستخدمون الـ (الشاريو والكرين).
فعندما تم اغلاق الاماكن العامة في مصر ومن ثم خوف المصريين من التنقل في بعض الاحيان وعدم القدرة على دفع بطاقة السينما في احيان أخرى، إضطر المنتج الى التوجه للانتاج التلفزيوني و وفر له كل الامكانيات المتاحة وهي كبيرة اذا ما سخرت لهذا الانتاج.
واصبحنا نرى نجوم السينما تباعا وموسم وراء الاخر يظهرون علينا في رمضان ونسمع بأرقام للإنتاج هائلة جدا وفي المقابل تجني هذه المسلسلات ارباحا كبيرة ، مما شجعهم وشحع المنتج الخليجي ايضا للدخول الاستثمار ومن ثم على الاستمرار حتى بعد عودة الحياة نسبيا الى طبيعتها في مصر، ولكن بقي المحتوى يصارع لاسباب كثيرة اهمها ان الدافع الاساسي للعقل المُنتج هو الربح والربح فقط وليس لديه اية رؤيا لما يجب ان يقدم من محتوى فهو يدفع للكاتب لكي يكتب للبطل السنمائي، مسلسل له وحده واصبحتا لا نرى سوى الامكانيات الضخمة دون الروح ودون تلمَس لقضايا تهمنا او حتى تلفت انتباهنا.
السيطرة والتحول….
وبعد ان سيطرت هذا الشركات الخليجية على المُنتج الفني، وحولته الى مُنتج تابع لها مادياً ومُفرغ من المضمون الثقافي و الفني تدريجيا، وفي ظل هذا التحول في الخطاب الخليجي بإتجاه الكيان الصهيوني من حالة العداء “المعلنة” الى تبادل الزيارات و بناء المشاريع المشتركة و وجود عدو مشترك يجب مجابهتة بشكل مشترك، أصبح لازماً على هذه الشركات التسويق لما تُقدم عليه حكوماتها، والتسويق لـ “إسرائيل” ورؤيتها للمشاهد العربي.
ولا أعتقد أن مسلسل ” ام هارون” منفصل عن هذه الرؤية بل هو في سياقها، هذه الرؤية التي هي ليس تطبيعية وحسب بل الرؤية القائمة طمس الرواية العربية والفلسطينة للتاريخ، وقد قيل ويشكل مباشر وفج خلال المسلسل ” اعلان قيام دولة اسرائيل على ارض اسرائيل”. مما دعا الصحافة الصهيونية الى الاشادة بالمسلسل.
الان….
فقدنا المحتوى الجيد وفرجتنا الممتعة..
إستكثروا علينا فرجتنا، ومتعتنا التي هي هاجسنا وحلمنا الذي سوف نبقى نعتقد انه “ليس سرابا”، يأتون اليوم لتغيير تاريخنا ويمسحوا وجودنا بأموالهم، ففي عالم اليوم من يمتلك المال يعتقد انه يستطيع ان يغير تاريخنا وتاريخه، يعتقد ان المال يستطيع ان يبنى ثقافة وان يطمس ثقافة تتجاوز الخمسة الاف سنة، بإعتقادي ليست المشكلة ان يقدم المسلسل(اي عمل فني) رؤية تاريخية مغايرة لتلك السائدة، بل مطلوب من العمل الفني ان يطرح قضايا جدلية ومفصلية بتاريخ الشعوب، ولكن ضمن رؤية شاملة للطرح والنقد والتحرر، وليس ضمن رؤية العدو والتسويق لروايتة التاريخية التي نحتاج ان نفندها لا ان نؤيدها.
إن اهم ما يجب العمل علية وتبنيه كمشروع وتقديمه للعالم هو ” تفنيد الرواية التاريخية الاسرائيلية” يقول الكاتب كيث وايتلام في كتابه ” إختلاق اسرائيل القديمة .. اسكات التاريخ الفلسطني”
“إن تاريخ فلسطين القديم موضوع قائم بذاته، يحتاج الى التحرر من قبضة الدراسات التوراتية “
انتم تقومون الان بعمل ما قامت به الدراسات التوراتية من طمس للحق الفلسطيني بالوجود وللأسف هذا الجهد بأيدي عربية وبمباركة من بعض المطبعين.
لن نسمح لكم ولن نسمح لأم هارون ان تنتصر، ولن نسمح ان تطمسوا تاريخنا وتاريخ المنطقة وأن تنفوا حقنا بالوجود.
كما اقول لكل القائمين على الاعمال الفنية الحقيقية،
من ذكرتهم وغيرهم الكثيرون
أعيدوا لنا فرجتنا….