“داعش” إذ ينعش آمال اليمين الغربي
مع تزايد الضغط العسكري والاستراتيجي على معاقل تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية والعراق، ومع تزايد الهزائم والخسائر التي تلحق بالتنظيم على “أرض دولته”، تتزايد هجمات التنظيم ومناصريه وخلاياه النائمة وذئابه المنفردة في أوروبا والولايات المتحدة بصورة متعاظمة، إضافة طبعا لجرائمه بمختلف دول “الأعداء” في آسيا وإفريقيا، كان آخرها العملية الإجرامية التي وقعت بإحدى كنائس فرنسا قبل يومين.
وبات متوقعا تزايد تنفيذ عمليات إرهابية من قبل التنظيم ومناصريه كلما اقترب “داعش” من الهزيمة النهائية على الأرض في سورية والعراق، ولاحقا ليبيا كما هو متوقع، ما يعني أن على العالم الغربي انتظار المزيد من الفظائع والجرائم التي ستقع في أراضيه. وقد لا تنفع كل الاحتياطات الأمنية الاوروبية والأميركية في منع وصول الارهاب الداعشي الى الدول الغربية، وتنفيذ عمليات جديدة.
ومن المفيد هنا استذكار أن الحكومات الغربية، تحديدا الفاعلة منها في ملفات الشرق الاوسط والازمة السورية، كواشنطن وباريس وبرلين ولندن، كانت لجأت منذ نحو عام فقط الى مقاربات سياسية وعسكرية جديدة في اشتباكها مع الأزمتين السورية والعراقية، خاصة بعد تفاقم اخطار الإرهاب وتحديات موجات اللجوء السوري التي غزت شواطئ ومدن أوروبا، إضافة طبعا إلى آثار التدخل الروسي القوي بالأزمة السورية وقلب الطاولة على سيناريوهات ورهانات عديدة سابقة لقوى إقليمية ودولية، كانت قامرت طويلا باستقرار المنطقة والعالم واستثمرت حتى في الإرهاب وجماعاته، لقلب معادلات الإقليم!
المقاربات الغربية الجديدة التي نتحدث عنها تمثلت في تقديم أولوية محاربة الإرهاب، حتى لو بقي ذلك مقتصرا من قبل الغرب على تنظيم “داعش” ولاحقا تنظيم “جبهة النصرة”، مع دعم عملية الحل السياسي والتفاوضي للقضية السورية، وأيضا الوصول الى توافقات وصفقات مع تركيا للحد من سيل اللاجئين المتدفق إلى أوروبا.
لا شك أن المقاربات الغربية الجديدة مكّنت إلى حد كبير من حصار “داعش” وبدء رحلة انحداره وهزيمته على الأرض في العراق وسورية، كما أسهمت، وإنْ بحد أقل أثرا، في خفض أزمة تدفق اللاجئين. لكن هذه المقاربات ونتائجها خلفت اليوم تحديات لا تقل أهمية وخطورة عن تحديات وأخطار مقاربات وسياسات المرحلة الماضية.
فالهجمات والعمليات الإرهابية الارتدادية لـ”داعش” في الغرب أساسا، وبدرجة أقل في الدول الحليفة بآسيا وافريقيا، والتي خلفت ضحايا مدنيين كثرا في فرنسا وبلجيكا والمانيا والولايات المتحدة وغيرها، أسهمت وتسهم في تقدم اليمين المتعصب في الغرب، الذي يتغذى خطابه المتطرف والتأزيمي على مخاوف المواطن الغربي من الإرهاب على حياته ونمط حياته، خاصة مع ارتباط الإرهاب وعملياته بتزايد أعداد اللاجئين وبالجاليات العربية والإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة.
قد لا يبدو غريبا، في هذا السياق، تقدم المرشح الجمهوري للانتخابات الاميركية دونالد ترامب بصورة طفيفة للمرة الأولى منذ 3 أشهر على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بحسب استطلاع للرأي نشر أمس. كما لم يعد مستبعدا بحسب محللين أوروبيين تقدم اليمين المحافظ والمتطرف في دول أوروبية عديدة على وقع الهجمات الإرهابية المتتالية ببلادهم، وربطها بالإسلام والمسلمين وباللاجئين، ناهيك عما عكسه تصويت البريطانيين المفاجئ للخروج من الاتحاد الاوروبي أخيرا من تعزز طروحات اليمين.
وقد لا يكون مبالغة ايضا القول إن وقوع عمليات إرهابية أخرى لـ”داعش” في الولايات المتحدة وأوروبا ستكون كفيلة بحمل مرشح متحجر وعنصري ضد الأجانب والمهاجرين مثل ترامب إلى البيت الابيض، فيما لن يكون غريبا أيضا تداعي العديد من الحكومات الغربية الحالية أمام تقدم اليمين إنْ تواصل تنفيذ العمليات الإرهابية بأوروبا.
طبعا، لا يشاطر الحكومات الغربية في هذه الورطة بتزايد العمليات الإرهابية في أوروبا سوى الجاليات العربية الإسلامية، التي ستدفع بلا شك ثمنا غاليا جراء الإرهاب الداعشي ووصول ترامب واليمين الأوروبي إلى السلطة!