خصخصة الحروب / د. سعيد ذياب
تعتبر الشركات المتعددة الجنسيات من أهم السمات لظاهرة العولمة، بل وأخطرها. حيث تنامى دورها واشتدت سطوتها من خلال التشريعات والقوانين التى عملت المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين)على فرضها على الدول.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الشركات عملت على فرض سيطرتها على الدول من خلال وسائلها فى احتواء السلطتين التنفيذية والتشريعية وضرب وتشويه الاتجاهات التقدمية والوطنية والحد من دورها.
إذا كان دور الشركات المتعددة الجنسيات يتمثل فى الهيمنة الاقتصادية والسياسية. فإن شركات من طبيعة أخرى (شركات أمنيّة خاصة)، تنامى دورها وخاصة بعد أحداث ايلول 2001، وسعي إدارة بوش لغزو العراق وأفغانستان، وهو الذى قال أن الحرب على الإرهاب (هدية من الله للقطاع الخاص). لقد تنامى دور تلك الشركات سواء لجهة عددها أو لجهة تأثيرها بشكل ملحوظ بعد غزو العراق.
في دراسة مقدمة للكونجرس، فإن أكثر من 65% من القوات التى ترسلها وزارة الدفاع الامريكيه تابعة لشركات أمن خاصة، كما تشكل 29% من قوة وكالة الاستخبارات. وأنها تستحوذ على أكثر من 50% من موازنة الأمن الوطني. .وأى قراءة موضوعية لهذه المعطيات، ستعكس حجم الدور الذى تلعبه هذة الشركات فى مسألة عسكرة العولمة.
إن إلقاء نظرة على عدد الشركات وعدد العاملين فيها، ونسبة انتشارها فى العالم يكشف بشكل جلي عن حجم الدور والنفوذ لهذه الشركات.
فعلى سبيل المثال، فإن شركة g4s المختصة بالأمن، تتولى مسؤولية 150 أو أكثر من المطارات فى العالم، وقد تخطى حجم دخلها عام 2014 وحده التسعة مليارات دولار أمريكي. والحال نفسه ينطبق على شركة بلاك ووتر التي تتوزع فروعها فى أكثر من 40 دولة في العالم، إضافة إلى شركة dynacorp.علمًا بأن هذه الشركات تمتلك معسكرات وسجون في الدول التي تعمل بها، ولا تخضع تلك السجون إلى القوانين المحلية!! ما يدلل مرة اخرى على النفوذ المتعاظم لهذة الشركات.
ظهور هذه الشركات الأمنية الخاصة، والتى أصبحت تزاحم الدولة فى وظيفتها، بعد أن كانت الدولة هى التى تحتكر امتلاك القوة العسكرية، هو نوع جديد لوظائف هذه الشركات، يتناغم ودورها على المستوى العالمى. وهى بالضبط تعكس ما بات يعرف بـ “عولمة السجون”، والتي تعني أن تحتجز دولة فى أراضيها سجناء يحملون جنسية دولة أخرى لحساب دولة ثالثة. ومن الملفت أن الدول العربيه تعتبر من أهم المقرات لهذه السجون، حيث تشارك تسع دول عربية في هذا المجال.
تؤكد نعومى كلاين صاحبة كتاب “عقيدة الصدمة” أن مفهوم الخصخصة ارتبط تمريره بما يعرف بالصدمات والأزمات، منذ أن بدأ مبشرها ميلتون فريدمان بنشرها وتسويقها. حيث دشنت صدمتها الأولى فى تشيلى وما مارسه بينوشيه من استبداد وفاشية مكنته من تمرير سياسة تحرير الاقتصاد .
وتضيف كلاين أن الخصخصة كانت هدفا لكل من ريغان وتاتشر. منذ وضعا أسس الليبراليه الجديدة .. مؤكدة على أن الحروب والأزمات باتت مخصخصة تمامًا.
لقد لعبت الشركات الأمنية الخاصة دورا هاما في الأزمات والحروب، بل هي من سعى إلى إطالة أمدها. وكانت تلك الشركات سرعان ما تحضر نفسها للانتقال إلى مكان آخر عندما تبدو أن فرص حل الأزمة فى مكانها بات ممكنا.
هذا الدور المتعاظم لهذه الشركات يجعل منها قوة محددة للحروب في المستقبل بقصد جني المزيد من الأرباح، ويجعل من الرأسمالية التى راحت تزداد انتعاشا من الكوارث والحروب أكثر ميلا لافتعال الحروب للهيمنة والنهب.
.كل ذلك وما يجرى من تشويه، يجعل من مهمة التصدى للعولمة وهذه الشركات ضرورة ملحة لحماية الأجيال، من تجار الحروب.