حول G7 / حاتم استانبولي
اجتمع رؤساء G7 في بيارتيز الفرنسية بين 24 و26 من آب، هذا الإجتماع خيم عليه ملفات عديدة كان أبرزها عنوان المناخ الذي فرضته حرائق الأمازون والملف الإيراني والعلاقة مع روسيا والخلافات التجارية الأمريكية مع حلفائها وخصومها.
المدقق في المؤتمر الصحفي لماكرون وترامب يقرأ عمق الخلاف بين البيت الأبيض وحلفائه وخصومه الذي برز منذ أن تسلم ترامب البيت الأبيض.
ترامب فتح معارك اقتصادية تحت عدة عناوين؛ الاتفاقيات البيئية والتجارية والنووية مع (إيران وروسيا)، حيث اعتبر أن هذه الاتفاقيات تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة وهنالك ضرورة لإعادة صياغتها.
السؤال المهم ماذا يريد ترمب في الجوهر؟
ترمب وما يمثل يريد أن يفكك منظومة العلاقات الرأسمالية السائدة التي خلقت ظروف لإعادة توازن القوى فيما بينها بما يفقد الهيمنة الأمريكية الأحادية.
ترمب يتعامل مع حلفائه من منطلق القوة المهيمنة التي تنشر قواتها لحمايتهم في حين هم يتوجهون إلى خصومه في اتفاقياتهم (روسيا مثلًا أنبوب غاز الشمال) .
ترمب كان واضحًا في تحريض حليفه البريطاني الجديد للخروج من الإتحاد الأوروبي بدون إتفاق وتشجيعه على عدم دفع 50 مليار التي تستحق على بريطانيا إذا خرجت بلا إتفاق ويدعم القوى اليمينية في إيطاليا ليؤسس لأزمة خروج جديدة من الإتحاد الأوروبي.
ترمب أعلن أن الصين تريد عقد إتفاق بشروطه وبذات الوقت وافق على الإقتراح الفرنسي بشأن إيران بشرط أي حساب سيفتح لإيران يجب أن لا يتضمن دفعات نقدية بل حساب كردت يكون بضمان النفط.
وأنه على إستعداد للقاء روحاني وتوقيع إتفاق ضمن شروطه حيث يضمن عدم إمتلاك إيران للسلاح النووي والصواريخ الباليستية.
أما بشأن روسيا فإن ترامب أعلن عن رغبته في دعوة بوتين للإجتماع تحت عنوان إدخال روسيا إلى القفص والضغط عليها من داخل القفص أفضل من تركها حرة طليقة بلا إلتزامات وبالرغم من أن هذا القرار يضر بسمعته داخليًا وممكن أن يستخدم ضده لكنه يدرك أن روسيا حرة بلا التزامات أخطر من روسيا مقيدة.
أما بشأن الصين فإن ترمب أعلن أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الصين بشكل كبير يقدر 500 بليون دولار وأن أية إتفاقية بين البلدين عليها أن تعيد التوازن للميزان التجاري بين البلدين.
بشأن الحوار مع أوروبا أعلن أن الأوروبيين محاورين صعبين، لكنه ما زال مقتنعًا أن الضرائب يجب أن تفرض على السيارات والنبيذ الفرنسي (على سبيل المثال)، وطالب بإتفاق تجاري جديد مع أوروبا.
أما على صعيد البيئة فقد أثنى على مواقف الرئيس البرازيلي الذي رفض المساعدة في إخماد حرائق الأمازون في إعلان ضمني لتشجيع البرازيل للخروج من اتفاقية باريس.
أما على الصعيد العسكري فإن خروجه من المعاهدات الموقعة مع روسيا بشأن إنتشار الأسلحة النووية يفتح بابا لسباق التسلح الذي تسعى واشنطن إليه لجر موسكو إلى حظائره لإستنزاف قدراتها الإقتصادية الصاعدة.
على ما يبدو أن ترامب وما يمثله يسعى إلى إعادة هيكلة العلاقات الرأسمالية بما يخدم هيمنة رأس المال الأمريكي.
هذا يعني أن العودة إلى السوق القومي ووضع الحواجز الضريبية لحمايته سيؤدي لإعلان انتهاء منظمة التجارة العالمية هذه العودة تتعارض مع حركة التاريخ.
الرأسمالية في مرحلة صعودها وهيمنتها وأزماتها البنيوية التي جسدتها إمبرياليتها التي فرضت صيغ هيكلية متداخلة المصالح أسقطت العامل القومي لصالح أهمية عامل حرية السوق ترمب يريد إعادة الاعتبار للعامل الإقتصادي القومي على حساب حرية السوق في ظل استمرار غياب لناظم مالي يضبط إيقاعه ويوزع نتاجه بشكل عادل بين مراكزه هذه العدالة التي تتعارض مع جوهر النظام الرأسمالي.
هذا الوضع فتح الباب واسعًا للتنافس بين عواصم رأس المال وكرتيلاتها الصناعية، إن الحدود القومية للسوق هو تراجع خطوة للوراء تفتح الباب للصراع بين الحلفاء والحروب الاقتصادية بين الخصوم.
حروب ترمب التي فتحها هي حروب يريد من خلالها حل أزمة نظامه الرأسمالي الذي يعاني من مديونية داخلية وخارجية وصلت إلى مرحلة انهيار داخلي.
إن أهم تحدي يواجه النظام الرأسمالي هو اختلاف سعر الصرف لعملاته القومية حيث أن أي تلاعب بسعر الصرف العملات القومية يؤدي إلى تغيرات في التدفقات المالية مما يضع الدولار تحت ضغوط تؤثر على سلبًا على الميزان التجاري بين أمريكا وخصومها.
أما عن سياسات العقوبات الإقتصادية التي تستخدمها دول G7 للحد من توسع ونفوذ الرأسماليات الصاعدة ممكن أن يكون له مردود على المدى القريب ولكن تأثيراتها البعيدة ستكون عبئًا على اقتصاديات G7 لفقدانها أسواق حيوية لشركاتها المتعددة ناهيك على أن العقوبات ستفرض على الدول الصاعدة البحث عن آليات جديدة للنظام المالي بعيدًا عن هيمنة النظام المالي الأمريكي (السويفت).
أهم ما حدث في G7 ظهور وزير خارجية إيران في إشارة إلى أن هنالك ما يجري تحت الطاولة يهدف للترويج لتنازلات إيرانية جوهرية لتسويقها لإستثمارها في فتح شقوق في الجبهة الداخلية الإيرانية.
بالنسبة لترمب لا يوجد لديه أية مشكلة في الحوار مع إيران تحت ضغط العقوبات وهو يريد ذلك قبل أكتوبر 2020 موعد انتهاء الحظر الأممي لتوريد الأسلحة لإيران وهو بحاجة لإتفاق بشروطه ليقدمه لجمهوره على أنه الرئيس الذي أخضع طهران.
من ناحية أخرى يريد أن يغلق الباب لصعود التيارالمتشدد في الإنتخابات الإيرانية القادمة في ظل ترويج معلومات عن تعارضات بين مراكز القوى في إيران واعتبار أن ظريف وما يمثله هو أفضل للغرب من حرس الثورة وما تمثله.
أهم التحديات التي تواجه النظام الرأسمالي هي المحافظة على إستمرارية ضبط التعارضات فيما بينها والصراع مع القوى الصاعدة.
والتحدي الأخطر هو بقاء النظام المالي القائم الذي سيولد مزيد من الأزمات والتعارضات بين قومية العملة ودورها في التدفقات النقدية للخزينة القومية.
ضعف العملة بالنسبة للرأسماليات الصاعدة المنتجة هي ضرورة (الصين والهند وروسيا) ومصدر ضعف للدولار واليورو والإسترليني.
شرق أوسطيًا: الملف اليمني هو الملف الأهم الذي كان على جدول أعمال G7 لحله لعدة أسباب إقليمية ودولية ولسهولة أخذ قرار بشأن وقف الحرب بعد أن سقط شعار الحفاظ على الشرعية من قبل حلف الشرعية .
اللافت أن كل المؤتمرات الصحفية وفي سياق الحديث عن إيران لم يتطرق أي رئيس من G7 لأمن “إسرائيل” أو حتى ذكرها وهذه سابقة رغم الإعتداءات “الإسرائيلية” وصوت هدير الطائرات “الإسرائيلية” لم تصل إلى آذان G7 ولم توقف هبوط طائرة ظريف وضيافته هذه الزيارة التي قال عنها مكرون في حضرة ترمب أنها بدعوة منه وبمعرفة ترامب المسبقة.