مقالات

حول البرنامج ! / بقلم:حاتم استانبولي

إذا كانت الثورة ضرورة وتتطلب أداة لإنجازها، فإن البرنامج هو الصيغة الملموسة التي تربط الفكرة بالأداة.
البرنامج هو هوية الحزب ومن خلاله تستطيع أن تحدد موقع ودور الحزب في لوحة التناقضات وأين يصطف في خريطة الصراع الاقتصادي والاجتماعي وانعكاستهما في السياسة. إن الناظم الذي يحكم هذا الموقع هو جوهر الفكرة التي تحرك الحزب ودوره وموقعه من حيث المصالح الاقتصادية والاجتماعية.


وهنا، فإن الأحزاب تحكمها ثلاث أدوار: 1_ سلطوية 2_ إصلاحية 3_ تغيير . وكل هوية تعبر عن دور وبرنامج خاص بها. فالسلطوية: هي تعبر عن السلطة القائمة المتحكمة في مجمل مناحي الحياة. أما الإصلاحية: والتي ترى أن هنالك إمكانية لإدخال مجموعة من التغييرات في سلوكيات النظام السياسي، وهي تتعارض مع السلطة القائمة من داخل منظومته القائمة. التغيير: هو دور يرى أن التناقض يكمن مع منظومة السلطة القائمة, والصراع حول كيفية استثمار وتوزيع الخيرات المادية للدولة والمجتمع .
وبالمحصلة النهائية، فإن تطور الصراع الاقتصادي والاجتماعي يدفع الصراع ليتمركز بين قطبين متناقضين، وخلف كل قطب تصطف قوى اجتماعية على قاعدة موقعها في عملية الإنتاج الاجتماعي. وتتحدد طبيعة النظام بهوية القوى المسيطرة على مقاليد السلطة وشكل وطابع العلاقات القائمة في الدولة. وكلما تصاعد التناقض، فإن الاصطفاف يتمركز بين برنامجين (السلطوي- والتغيير). ويتحدد البرنامج بناء على طابع المرحلة وعليها تتحد الشعارات والأهداف الآنية والإستراتيجية. وتتحدد طبيعة المرحلة بناء على مستوى التطور الاقتصادي وانعكاساته في الاجتماعي والسياسي وتعبيراته الثقافية.
وبشكل عام، فإن المراحل هي: 1_ مرحلة التحرر الوطني 2_ مرحلة التحول الوطني الديمقراطي 3_مرحلة التحول الاشتراكي. هذه ثلاث مراحل تاريخية تتحدد بناء على ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعي وطبيعة علاقات الإنتاج. ففي مرحلة التحرر الوطني تكون وسائل الإنتاج ملكاً للمحتل أي أن كافة الخيرات المادية هي مصادرة لقوى خارجية ولا ينال أصحابها سوى ما يسد رمقهم, وهنا فإن هدف التحرر الوطني هو المعيار والناظم. أما مرحلة الوطني الديمقراطي، فإن الهدف يكمن بالسعي للملكية الوطنية لوسائل الإنتاج وسيادة العلاقات الديمقراطية في المجتمع لفتح الآفاق للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.
وهذه المرحلة هي من أعقد المراحل، حيث يتطلب البرنامج محاور من أهمها، نقد كافة الأفكار البائدة الموروثة, والتي من خلالها يتم السيطرة على الفئات الاجتماعية المتضررة من طابع علاقات الإنتاج القائمة, وبهذا الصدد فإن الصراع على الجبهة الأيديولوجية يأخذ دوراً هاماً. إن المجابهة الأيديولوجية تكشف كافة أساليب القوى الخارجية وعملائها الداخليين, الذين يسعون وبشكل دائم للتحكم بطريقة وشكل توزيع الخيرات المادية.
أما المرحلة الاشتراكية، فهي تأتي نتيجة الانتصارات التراكمية التي تنجزها قوى التغيير بمرحلة التحول الوطني الديمقراطي, وتحدث القفزة (الثورة) في ملكية وسائل الإنتاج وعلاقاته، وتنعكس في التوزيع العادل للخيرات المادية. وفي هذه المرحلة، فإن الحفاظ عليها يتطلب قوانين ناظمة لا تسمح للقوى الرجعية بأن تنقضّ على هذا الإنجاز, وقوانين تسمح بأن يقوم النظام من خلال ميكانزم الرقابة الذاتية لعدم تحول الجهاز البيروقراطي لقوة معيقة للتطور.
إن التجربة السابقة للدول الاشتراكية والتي تحولت فيه المركزية الديمقرطية إلى مركزية بيروقراطية, قوّضت تطور وسائل الإنتاج وعلاقاته, وحوّلت الحزب إلى سلطة تعبر عن الفئة البيروقراطية المتحكمة في النظام. إن تعدد الأحزاب وبرامجها في هذه المرحلة، هو ضرورة، كون التباين في العلاقات الاجتماعية ما زال قائماً. هذه المرحلة تتسم بتحول التناقض إلى تعارض على قاعدة تطوير وتعميق القوانين التي تعزز الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية, وتتطور العلاقات في هذه المرحلة لدرجة يتحول القانون الإنساني لقوة مادية تحافظ على الإنجازات الإنسانية في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتصبح قوة القانون هي السلطة العيا في المجتمع الإنساني، وتحت مظلّته، تعمل كل القوى الاجتماعية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى