حملة “غاز العدو احتلال”: مهمة وطنية كبرى وتراجع في الزخم الشعبي
لم يكن مشهد العدد المحدود للمشاركين في المسيرة التي دعت لها الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز قبل أيام، غير مألوف. فالحملة التي استطاعت أن تحشد مئات المواطنين وآلاف المتعاطفين معها في فترة سابقة، انحصر حضورها في الآونة الأخيرة بنشاطات وفعاليات “رمزية” يشارك بها عشرات الأشخاص، وذلك على الرغم ن أهمية الملف الذي تعمل عليه الحملة.
الرفيق محمد العبسي عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية وعضو لجنة المتابعة في الحملة، أكد في تصريح لـ نداء الوطن أن الحملة ومنذ تشكيلها في أواخر العام ٢٠١٤ رداً على طرح رسالة النوايا المتعلقة باستيراد الغاز من الكيان الصهيوني عملت باتجاهين، الأول تمثل بدحض الذرائع الرسمية والحجج الواهية المدافعة عن الصفقة. الاتجاه الآخر الذي عملت عليه الحملة تمثل بعدة دعوات لمسيرات واحتجاجات شعبية رفعت شعار غاز العدو احتلال.
ووفق العبسي، فقد مرت الحملة بعدة مراحل، ففي بدايتها كان الزخم النخبوي والشعبي ملتف حول الحملة والجميع يعمل بشكل جاد وان صح التشخيص كان عبارة عن ردة فعل وفي حالات الركود كانت تعمل الحملة على جمع الوثائق التي تفند جميع الاقاويل الحكومية التي لازالت تدافع عن الاتفاقية.
ويرى الرفيق العبسي أن العامل الموضوعي وتراجع الحالة الشعبية أضعفا عمل الحملة، خاصة مع شعور غالبية القوى الشعبية والسياسية بفقدان الأمل بتراجع الحكومة عن اتمام الصفقة، الأمر الذي جعل عدداً من القوى يعمل في اطار الحملة بعدم اكتراث وليس بالنشاط الذي انطلقت به الحملة في بداياتها.
ملص: الحملة لم تستنفذ خياراتها وشبابها وقيادتها خلاقون ويستطيعون طرح البدائلفيما يؤكد الناشط والرئيس السابق للجنة مجابهة التطبيع في نقابة المهندسين ميسرة ملص، أن شارع المعارضة منقسم وحجم الضغط على لقمة عيش المواطن كبير بحيث تلهيه للالتحاق باي نشاط وطني بشكل عام علاوة على الاحباط العام الذي أصيبت به الامة و قوة القبضة الأمنية التي تلاحق المواطن الناشط في العمل الوطني بلقمة عيشه .
إلا أن ملص يستدرك مؤكداً على أن حملة غاز العدو احتلال لم تستنفذ خياراتها، و شبابها وقيادتها خلاقين ويستطيعون طرح البدائل و الاستفادة أيضاً من الأحداث المختلفة التي تقع لخلق إجماع وطني كبير حول هذه القضية .
وحمل ملص في حديث خاص لـ نداء الوطن الانقسام في قوى المعارضة (الاسلاميين من جانب و القوميين و اليساريين من جانب اخر) على خلفية الازمة السورية، مسؤولية فشل خلق حالة وطنية عامة. حيث ذكّر المواطنين بالفعالية الاولى لهذه الحملة في المسيرة التي انطلقت من امام الجامع الحسيني كانت مسيرة حاشدة و تفاءل نشطاء العمل العام خيرا بعودة العمل على الاهداف المشتركة و المقبولة لكافة قوى المعارضة بعيدا عن الملفات الخلافية.
واعتبر الناشط ملص أنه “هتافاً” صدر في تلك المسيرة باسم شخصية خلافية أدى الى انسحاب “الإسلاميين” من المسيرة وبعد ذلك التاريخ انسحب الاسلاميون تدريجيا من فعاليات هذه الحملة و هم “أصحاب الجمهور الكبير و مع كل محاولاتي كخادم لهذه الحملة وبالتنسيق مع منسقيها لم نستطع ان نعمل اختراق باتجاه عودتهم” وفق ملص.
إلا أن ناشطين يرون أنه لا يمكن لقوى سياسية أن تبني موقفها من قضية وطنية كبيرة بحجم صفقة الغاز الصهيوني، بناءً على هتاف هنا أو هناك. كما أنه لا لهذه القوى السياسية أن تتخلى عن دورها في مواجهة هذه الصفقة بناءً على هذا الهتاف. ويؤكد ناشطون أن الحركة الإسلامية لم تكن جدية في دعم حملة الغاز منذ انطلاقتها، وخاصة من ناحية المشاركة المتواضعة في فعاليات الحملة، وهو الأمر الذي يعزوه الناشطون لعدم رغبة الحركة الإسلامية في الصدام مع السلطات الأردنية في هذه المرحلة التي تخوض فيها حرب “شرعية” وجودها.
مجلس النواب: الغائب الحاضر:
اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني التي وقعتها شركة الكهرباء المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية مع شركة نوبل إينرجي في عام 2014، لم تقم الحكومة الأردنية بعرضها على مجلس النواب، معتبرة وفق وزير الطاقة إبراهيم سيف أنها اتفاقية بين “شركتين” وبالتالي لا يحق لمجلس النواب الأردني مناقشتها. ولم تكتف الحكومة بذلك، لكنها رفضت أيضاً إطلاع المجلس على بنود الاتفاقية بحكم “سريتها” وفق سيف.
ولكن الضغوط الشعبية على البرلمان والحكومة معاً، أدت إلى قيام الحكومة تسليم الاتفاقية إلى لجنة الطاقة مع التأكيد على رفض نشرها. إلا أن مجلس النواب لم يقم بمناقشة الاتفاقية حتى اللحظة تحت ذريعة الانتهاء من ترجمتها من اللغ ة الإنجليزية إلى العربية.
ويرى الناشط ميسرة ملص في حديث لـ نداء الوطن أن تحويل الاتفاقية إلى مجلس النواب لن ينتج عنه سوى إعطاء شرعية مزيفة لهذه الاتفاقية حيث أن هذا المجلس و من خلال قانون الانتخابات الذي جاء به، يزور بطريقة قانونية إرادة الشعب. فلا يعول وفق ملص على هذا المجلس ولا على فصله. فعلى أحسن الأحوال فإن ما سيقدمه المجلس هو امتصاص للغضب الشعبي و محاولة تجميل هذه الاتفاقية.
العبسي: خمس لجان نيابية تهربت من لقاء الحملة رغم موافقتها على اللقاء سابقاًو يخشى ملص من أن يجرؤ المجلس ويعطي الشرعية لاتفاقية الغاز. لذلك فالحملة عليها مسؤولية اكبر بالضغط على النواب والاشتباك الوطني معهم لأجل إحراجهم أمام قواعدهم لمحاولة تخفيف أي إجراء سلبي من هذا المجلس تجاه هذه الاتفاقية.
ويرى الرفيق محمد العبسي أن الحملة ومن خلال لجنة المتابعة المنبثقة عنها تقوم باجتماعات دورية وتتابع كل التفاصيل ودائما يوجد اقتراحات متنوعة ونشاطات نوعية تقوم بها. والحملة ومنذ تأسيسها كانت بالاضافة الى التحشيد الشعبية والحراك في الشارع كانت تمارس الضغط على مجلس النواب ليكون أمام مسؤولياته الوطنية والاخلاقية، خاصة وأن الاتفاقية تم التصويت برفضها بأغلبية ساحقة في مجلس النواب السابع عشر.
ولفت العبسي إلى أن مجلس النواب تدعي أغلبيته بأنها ضد الاتفاقية وفي ذات الوقت نلحظ تهربهم من المواجهة خاصة وأن بنود الاتفاقية منذ أكثر من خمسة أشهر وهي قيد الترجمة.
وكانت حملة إسقاط اتفاقية الغاز قد أرسلت لجميع أعضاء مجلس النواب وثائق تتحدث بالتفصيل عن أخطار صفقة الغاز، إلا أن الحملة لم تلحظ تجاوباً من أغلب النواب حول رأيهم بتلك الوثائق، وفق العبسي. كما كشف لـ نداء الوطن عن وضع الحملة برنامجاً للقاء خمسة لجان نيابية، حيث تم إرسال طلب للقاء كل لجنة على حدا. وعلى الرغم من أن جميع اللجان أبدت موافقتها على اللقاء، إلا أنهم تهربوا من تحديد موعد له.
ويتفق العبسي مع ما ذهب إليه المهندس ميسرة ملص، حيث يؤكد على أن لمجلس في تشكيلته الحالية لا يراهن عليه و”هذا ما توصلنا اليه ويعني ذلك بأن الحملة مستمرة بعملها رغم تراجع الحالة الشعبية وجاري البحث عن خلق آليات عمل جديدة تعيد إثارة الموضوع على السطح”.
فيما يذكر الناشط ميسرة ملص بتجربة لجان مقاومة التطبيع عندما اتحدت كل قوى المعارضة وراء هذه اللجان، واستطاعت تحقيق إنجاز طيب و كان لها أثر على أرض الواقع.
على الرغم من كافة الإحباطات التي عانت منها مؤخراً، إلا أن حملة إسقاط اتفاقية الغاز “غاز العدو احتلال” تبقى العنوان الوطني الجامع لمواجهة اتفاقية الغاز وإفشال واحد من أهم وأخطر مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني