حلب تعيد تموضع الإقليم !
المواقف التركية الأخيرة لم تكن وليدة اللحظة أو نتيجة ردة فعل، وإنما كانت نتيجة إدراك مركز القرار التركي بأن ما يخبأ لتركيا ما بعد سوريا يستهدف الدولة التركية ووحدتها. وأدركت أنقرة أنها ليست لاعباً مقرراً وأنما تستخدم لإحداث تغييرات ديمغرافية ستكون تركيا جزءً منها.
ولهذا فإن كل الأحداث التي بدأت في الداخل التركي بدأت بالتغييرات العميقة في الحزب الحاكم والتي طالت رئيس وزرائها (المحسوب على الغرب) وانتهاءً بالانقلاب وما تلاه من تصفيات في كافة مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية والقضائية والإعلامية, والتي ترافقت مع إعادة تموضع إقليمي ودولي, عبر إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية وخاصة علاقاتها مع المحيط بدءً (بإسرائيل) لتحييد موقفها بشأن المسألة الكردية, وإعادة العلاقة مع روسيا وتوثيقها مع إيران وإرسال رسائل بشأن الحل في سوريا قائم على أساس وحدة الأراضي السورية والتي أدركت أنقرة أنها مسألة تخص الأمن القومي التركي.
إن إعادة التموضع التركي سيترك أثراً عميقاً على علاقة أنقرة مع أوروبا وخاصة مع كل من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة بعد أن أدركت أنقرة نواياهم بشأن استخدام العامل الكردي في إحداث التغيرات الديمغرافية. وعلى ما يبدو أن هنالك تفاهماً إقليمياً على مواجهة حصان طروادة الكردي والذي تستخدمه الولايات المتحدة كعامل لإحداث تغييرات عميقة تمتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً لتركيا. والمدقق في موقف كل من دمشق وطهران وموسكو بشأن التدخل التركي في شمال سوريا والذي عبرت عنه العواصم من خلال بيانات لم تصل لدرجة اعتبارها عدوان أو إعلان حرب, يفهم منها أنهم يدركون أن تصاعد المواجهة بين الأكراد والجيش التركي على الأراضي السورية سيضع الولايات المتحدة في موقف صعب لا يمكنها أن تقف فيه على الحياد ونتيجته ستفقد أحد الحليفين وفي كلا الحالتين فإنها مصلحة سورية.
والمجابهة المحتملة بين الجيش التركي والأكراد سينعكس إيجاباً على العلاقة بين كل من طهران وأنقرة ودمشق وبغداد. أما بشأن الموقف الكردي فإنهم الحلقة الأضعف في الصراع ومن المحتمل أن يكونوا ضحية عيد التفاهم الإقليمي. وما حدث في البرلمان العراقي مع وزير المالية ما هو إلا رسالة لهم سرعان ما التقطته أربيل ووجهت رسالة عاجلة إلى بغداد بأنها مستعدة لحل كل المشاكل العالقة بين الإقليم والحكومة المركزية.
والمستقبل القريب سيكشف عن نجاح الوساطة الروسية لإعادة العلاقات بين كل من أنقرة والقاهرة. ومن الملاحظ أن الشان السوري لم يعد أولوية أوروبية وكذلك فإن حدة التصريحات الخليجية تراجعت مما سينعكس إيجاباً على التسويات الداخلية السورية وما جرى في درعا وداريا إلا بداية ستتبعه تسويات ستشمل كل الجغرافية السورية. على ما يبدو أن الولايات المتحدة تدفع من أجل تحقيق تسويات لإخراج حلفائها من مأزقهم بأقل الخسائر الممكنة. ومن الملاحظ أن كل من موسكو وطهران ودمشق والضاحية الجنوبية لعب كل منهم دوره بشكل متقن للخروج بسوريا آمنة موحدة, وهذا سيكون له ارتدادات عميقة إقليمياً ودولياً.