مقالات

حقيقة ما يحدث في القطاع الصحي .. لمصلحة من يحدث كل هذا؟!

تحاول حكومتنا الرشيدة، تسويق صراع غير منطقي بين الأطباء في وزارة  الصحة من جهة والمواطنين من جهة أخرى. وتستخدم الحكومة لهذه الغاية أدواتها الإعلامية وذبابها الإلكتروني، إضافة إلى استغلال عدم دراية  المواطنين بالحقائق ونشر الإشاعات والأخبار  الكاذبة لتثبيت هذا الصراع على الأرض.

في هذا السياق، صرح وزير الصحة السابق في غمرة احتجاجات الأطباء على “العقود المجحفة لبرنامج الإقامة”، بأن الصراع ليس بين الأطباء ووزارة  الصحة، بل بين الأطباء والمواطنين، وذلك في إطار تحشيد المواطنين ضد الأطباء وحرف البوصلة عن القضية الأساسية، ألا وهي ميزانية وزارة الصحة.

وكي لا أطيل عليكم، فإن ما تقوم به الحكومة، ليس سوى تنفيذ الإملاءات “الحرفية” للبنك الدولي. كيف لا، ونحن أمام حكومة البنك الدولي بذاته؟!

وكي لا نتهم بأننا نلقي بالادعاءات جزافًا، فسأوضح الآتي:

وفقًا لدراسة للبنك الدولي حول الواقع الصحي في الأردن وتم نشرها في العام 2017، ونشر الدكتور محمد الزعبي مقتطفات منها، فإن البنك الدولي يرى أن الإنفاق الصحي في الأردن مرتفع .. والإنفاق الحكومي مرتفع جدًا!!! لكنها –وفقًا لرؤية البنك الدولي- لا تنفق بفعالية وكفاءة. لذلك لا ضرورة لزيادة ميزانية وزارة الصحة!!

ويشير البنك الدولي إلى وجود شكوى من المواطنين بتدني جودة الخدمات الطبية من وزارة الصحة. ويؤكد البنك  الدولي على أن هذا “التدني” ليس ناتجًا عن قلة الموارد بل لقلة الجهد المبذول من الأطباء ( مقدمي الرعاية الصحية) والناتج عن عدم مساءلتهم.

أي أن المشكلة من وجهة نظر البنك الدولي تكمن في الأطباء.

ويلفت البنك الدولي إلى أن الوضع الصحي لن يتحسن الا بمساءلة الطبيب من خلال مؤسسات الوزارة ومن خلال التشريعات القانونية ومن المرضى ( تم لاحقًا إقرار قانون المسؤولية الطبية) !!!

وبخلص البنك الدولي إلى ضرورة الاستعانة بأطباء من القطاع الخاص بدلا من توظيف مثل هذه النوعيات “الرديئة” من الأطباء.

أما إذا ما عدنا إلى الأرقام الرسمية والمنشورة على موقع وزارة  الصحة، فإننا سنرى أن ادعاءات البنك الدولي، لا علاقة لها بالواقع. وإلييكم هذا المثال البسيط:

بلغت نسبة الزيادة السكانية في آخر ست سنوات 33% ، فيما بقيت موزانة وزارة الصحة على حالها. حيث بلغت ميزانية وزارة الصحة  650 مليون دينار في العام2014، بينما تم تخصيص 651 مليون دينار لوزارة الصحة للعام 2019.

مثال آخر: في عام 2014، بلغ عدد مراجعي الإسعاف والطوارئ للمستشفيات الحكومية  2مليون و 670الف، وأصبح 3.5 مليون في العام 2017، بنسبة زيادة بلغت 31%. بينما بلغ عام 2012 عدد الأطباء في وزارة الصحة 4909، وارتفع إلى 4929 في عام 2017، بزيادة 15 طبيب، وبمعدل زيادة “مضحك جدًا” بلغ 0.3%.

تخيلوا معي يا سادة، هذه الأرقام والحقائق الدامغة، يتغاضى عنها البنك الدولي، ويريدنا أن نقتنع بأن المشكلة في الطبيب وليست في ضعف ميزانية الوزارة .. وتريدنا الحكومة أن نخوض حربًا ضد الأطباء كي تقطع عليهم الطريق للمطالبة بحقهم في إكمال الاختصاص والحصول على رواتب تتناسب وحجم عملهم.

ختامًا، كل ما تشاهدونه من قصص لمعاناة المرضى في المستشفيات الحكومية هي نتيجة طبيعية لتنفيذ هذه الحكومة برنامج البنك الدولي بتقليص النفقات على القطاع الصحي –حاله حال القطاع التعليمي-، ولكن هذه المرة بطريقة أكثر ذكاءً، عبر تشويه سمعة الأطباء والكوادر الطبية، وتحويل المعركة إلى معركة بين المواطن والطبيب. 

بواسطة
د.فاخر دعاس
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى