حزم التحفيز الاقتصادي … الابعاد الداخلية والخارجية
حزم التحفيز الاقتصادي التي تشغل الاوساط السياسية والاقتصادية والاعلامية، والتي اعلن عنها في 18/11/2019 لاقت وتلاقي ردود فعل متناقضة، فبعض ردود الفعل تؤيد اطلاق هذه الحزم الاقتصادية، على أمل اخراج الاقتصاد الأردني من أزمته العميقة المتمثلة بالركود والتباطؤ، وتحد من أزمتي الفقر والبطالة اللتين وصلتا مستويات مقلقة، لكن هناك من يختلف مع هؤلاء المؤيدين للحزم الاقتصادية وهم الأكثرية، ويرون في هذه الحزم مجرد قفزة في الهواء لن تقدم أو تؤخر في انتشال الأردن من ازمتته الاقتصادية المتفاقمة ولن تساعد اطلاقاً في تحسين مستوى معيشة المواطنين، أما القسم الثالث فيربط هذه الحزم الاقتصادية بالوضع السياسي، وعلاقات الأردن الاقليمية والدولية.
على الصعيد الداخلي، ونعني به انعاش الاقتصاد كما تدعي الحكومة، ورفع مستوى معيشة المواطنين التي تدهورت إلى أدنى مستوى، لم تأت الحزم الثلاث على مشكلة الضرائب بل تجاهلتها تماماً خصوصاً ضريبة المبيعات التي تصل نسبتها إلى (16%) ويتم فرضها على الاثرياء والطبقات الفقيرة وتسببت في دخول الاقتصاد الأردني في حالة ركود عميق وفي شلل القطاعات الاقتصادية، وتدهور القوة الشرائية للمواطنين.
وباعتراف الحكومة، حكومة السيد عمر الرزاز:
- أن الأردن خسر ما مقداره (1.800) مليار دينار خلال أخر (3) سنوات في مجال الاستثمارات العقارية التي هربت إلى تركيا ودبي.
- انسحاب (35) علامة تجارية منذ عام (2016) كان يعمل لديها حوالي (700) الف موظف وموظفة لعدم وجود بيئة استثمارية محفزة.
- تباطؤ في النمو الاقتصادي بحيث وصل معدل النمو الاقتصادي إلى (2.2%) وتسببت القرارات الاقتصادية في رفع الدعم وفرض ضرائب ورسوم وفي ارتفاع كلف الانتاج وكذلك تراجع القدرة الشرائية.
*حسب بيانات البنك المركزي تراجع صافي الاستثمار المباشر بنحو (7%) على اساس سنوي في الربع الأول من العام (2019) بحيث سجل صافي الاستقمار المباشر الاجنبي (177) مليون دينار في الربع الاول من العام الجاري (2019).
*يقدر عجز الموازمة (2020) بـــ (1.4) مليار دينار.
*بلغ حجم الدين العام (30) مليار دينار.
*تجاوزت نسبة البطالة حسب بيانات رسمية (18.5%) والفقر (33%) وتجاوزت نسبة البطالة في صفوف الاناث (33%) ولقد بلغت الايرادات الضريبية في الموازنة العامة للدولة ما يزيد على (65%).
*تدهورت مستويات التعليم والصحة والنقل.
أمام هذا الوضع المأساوي اندلعت في كافة محافظات الاأردن اعمال الاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات، وزاد مخزون السخط على الحكومة والنظام الحاكم بحيث انعدمت أية ثقة بين الحكومة والشعب الأردني.
وكانت مظاهرات واضراب المعلمين الأخطر من بين هذه الحراكات، حيث تعطلت المدارس التي طالت ابناء الاغتياء والفقراء على السواء.
في خضم هذه الأوضاع جاءت فكرة الحزم الاقتصادية ووظفت الحكومة كافة اجهزتها الاعلامية والدعائية للحديث عن اطلاق حزم اقتصادية، تحفز وتنشط الاقتصاد وترفع من مستويات معيشة المواطنين، واعلن رئيس الحكومة عن اطلاق ثلاث حزم تحفيز للاقتصاد: - الحزمة التحفيزية الأولى: وتشمل القطاع الصناعي والعقاري والاسكاني.
- الحزمة التحفيزية الثانية: تشمل القطاع السياحي والسيارات ودمج والغاء (8) مؤسسات حكومية مستقلة من أصل (57) مؤسسة، اتهمت بانها تقف وراء عجز الموازنة.
- أما الحزمة التحفيزية الثالثة: فمن المتوقع أن تشمل تحسين مستوى المعيشة للمواطنين من خلال تحسين مستوى الرواتب والاجور وتحسين مستوى الخدمات مثل التعليم والصحة والاعلان عن هذه الحزمة ربما يكون قد صدر أو على وشك الصدور خلال هذه الايام أو الايام القادمة.
رئيس الحكومة، حاول ترويج بضاعته الكاسدة حسب محللين اقتصاديين متخذاً من سوقه العقارات مثلاً فأعلن في آخر تصريح له بأن سوق العقارات سجل ارتفاعاً بنسبة (45%) منذ أعلن عن الحزمة الاقتصادية الخاصة بالقطاع العقاري والاسكاني.
لكن كافة القطاعات الاقتصادية وبالذات القطاع التجاري الذي لم تتطرق له الحزم الاقتصادية بشكل خاص تجاهل هذه الحزم تماماً للنظام الضريبي كمتطلب اساسي للخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي، واعرب هؤلاء عن عدم ثقتهم بهذه الحزم ما دامت لم تتناول النظام الضريبي، فتجاهل موضوع الضرائب غير المباشرة، هو تجاهل للعدالة اصلاً لانها عنصر اساسي في عدالة توزيع الثروة، لكن يبدو أن الحكومة مقيدة بتعليمات صندوق النقد الدولي أكثر من اهتمامها بهموم وشكاوي المواطنين.
لقد ترددت معلومات موثوقة، بأن صندوق النقد الدولي الذي انهى مراجعته للوضع الاقتصادي قبل اسبوع يضغط باتجاه عدم تخفيض الضريبة العامة على المبيعات ويطالب الحكومة بالغاء الدعم «لاستهلاك الكهرباء» والمياه عن الشرائح الدنيا من المواطنين.
نأتي إلى ما تتضمنه الحزمة الثالثة من وعود برفع رواتب الموظفين في القطاع العام بما مقداره (5 – 50) دينار، وإن (700) الف مواطن سيلمسون أثر الحزمة الثالثة حسب تعبير السيد الرزاز، وهذا يدخلنا في الموضوع السياسي كما يقول المحللون الاقتصاديون والسياسيون.
الرواتب تأتي من الايرادات ومن النفقات الرأسمالية والعجز المقدر في موازنة (2020) يبلغ (1.4) مليار دينار، فمن أين تأتي الاموال لتحقيق الوعود؟؟ وكيف سيتم سداد العجز في الموزانة إذا كانت الايرادات المحلية لا تكفي؟؟ هل حصلت الحكومة على وعود بمساعدات ومنح عربية ودولية؟؟ وما هو الثمن السياسي لهذه المنح والمساعدات؟؟ اسئلة ملحة تبحث عن اجابات.
ماذا يعني تحويل السعودية مبلغ (350) مليون دولار بعد أن كانت قد اوقفت المساعدات عن الأردن، وماذا يعني تلقي الأردن وعود من دول خليجية بتسييل بعض الأموال لدعم مشاريع استثمارية، وهي (أي الدول الخليجية) التي تعاني من عجز في موازنتها لاسباب معروفة.
ثم ماذا يعني وزير الخارجية الامريكية مايك يومبيو عندما يعلن أن الأردن يشكل المحطة الأولى في زيارته لتسع دول في الشرق الأوسط، ويصف الأردن بأنه أحد شركاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين الدائمين في المنطقة، ويشير هذا الامريكي اليميني المتطرف خلال زيارته إلى مذكرة التفاهم الموقعة قبل عام مع الأردن وتتعهد المذكرة بتقديم (1.275) مليار دولار ولمدة (5) سنوات من (2018 – 2022) أي ما مجموعه (6.375) مليار دولار.
وماذا يعني كل هذا الاصرار والعناد من قبل الحكومة على تنفيذ اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني رغم كل الاحتجاجات؟؟
ماذا سيقدم الاردن مقابل كل ذلك؟؟ أم أن واشنطن والرياض وبعض دول الخليج مؤسسات خيرية؟؟؟