حريم السلطان في الثامن آذار/ بقلم: محمد فرج
المسألة هنا لا تخص سليمان القانوني وحده، الذي أنفق من خزائن الدولة – التي ملأها أبوه سليم الأول بالذهب – على اللهو والزهو. سليمان القانوني مثال صغير عما كان يجري في قصر الحسان، وما يجري لحريم السلطان، ومرافقيهم من الخصيان.
لحريم السلطان تسلسل هرمي، فأعلى منصب لإمراة في القصر، كان لوالدة السلطان، وإن توفيت هذه أسند المنصب لإحدى مربيات السلطان. وبعد والدة السلطان تأتي رئيسة خزينة الحرم، وزوجات السلطان اللواتي يعقد عليهن يدعين “قادين”، واللواتي أصبحن أمهات من السلطان قبل الزواج يدعين “إقبال خصكي”، واللواتي يعاشرن السلطان ولم ينجبن منه أولاداً “إقبال”، ثم المرشحات للدخول على السلطان، ويدعين كوزده. الوصول إلى مراتب عليا في هذا السلم لا يعني إعتلاء مرتبة في قصر الثرثرة وإنما يعني الدخول إلى عالم السياسة في الدولة العثمانية، وإن كان كذلك يحمل احتمالات اجتماعية أخرى بأن تحال ال “قادين” هدية إلى أحد مقربي السلطان.
في السياسة قتلت روكزلان ،ملكة قلب سليمان القانوني، إبنه مصطفى لتفسح المجال لابنها سليم الثاني لاعتلاء العرش، والذي بدوره علق في شباك نوربانو التي قتلت أبناءه الخمسة من سلطانات أخريات، لتوسع الطريق أمام إبنها مراد، ولتخوض لاحقاً معركة مع جاريته القادمة من البندقية. أما كوسم القادمة من البوسنا فقد حكمت في الدولة على حقبتين، زوجها أحمد الأول، وإبنها الغارق في عدد قياسي من الجواري، السلطان إبراهيم. ومن آخر ملامح السياسة كان قصر يلدز، الذي بناه السلطان عبدالعزيز على إسم جاريته المفضلة “يلدز”، شقيقة الجارية صافيناز التي تولع بها السلطان عبدالحميد، وأهداها إلى أحد رجال القصر بعد سنوات.
في الإجتماع وفيما نفهم من الإنسانية، فقد كان سلاطين آل عثمان شديدي التقيد بالحجاب، لا يسمحون لأحد برؤية نسائهم، ومن ذلك ما يروى أن السلطان محمود، الذي أباد الإنكشارية، توثقت عرى الصداقة بينه وبين رجل فرنسي أحبه كثيراً، وقربه إليه. وفي أحد الأيام دعا السلطان محمود صديقه الفرنسي، وبينما هما على المائدة، سأله السلطان أن يطلب منه ما يريد، ويتمنى ما يشتهي من الهدايا والمنح السنية، فطلب الفرنسي رؤية أجمل إمرأة في القصر، فكان له ذلك، وجلب له رأس أجمل إمرأة في القصر على صينية ذهبية مغطاة بالحرير قبل أن يجف الدم فيه. في أيام السلطان عبدالعزيز وصل عدد الجواري في السراي إلى 900، وكذلك إزداد عدد الخصيان، فكان سكان القصر حوالي 2500 شخص غير الحرس والجنود. توسعت دائرة “القوادين” في عهد السلطان عبدالحميد، ووصلت إلى مائة شخص مسؤولين عن جلب الجواري من كل صقاع الأرض، وعرضهن على والدة السلطان للمعاينة، وتوسعت مهمات الجواري في عهده كذلك، الكاتبة وأمينة المستودع وحافظة الخاتم، ومديرة التزيين، وحاملة الإبريق، وخادمة المشروبات، ورئيسة القهوجية، وأمينة السر.
رسالتان ربما تصل من قصر الحسان ومن رحم هذا النص الخفيف، الأولى للحركات النسوية الهشة التي تحاول لعب السياسة على إيقاع روكزلان ونوربانو وكوسم، والثانية أمنيات بمشاهدة ممتعة لــ “حريم السلطان”، ولكن على أنغام مغايرة هذه المرة: ” فكرت في تغيير الكون، طول عمري شايفه مايل، تاري المعتر بستاهل، والست راضية بظلم الراجل” !