جريمة اغتيال حتر .. أبعد من حادث فردي، وأكبر من قصة نشر رسم كاريكتيري
لم يكن الكاتب الأردني ناهض حتر يعتقد أن قيامه بعمل مشاركة (share) لرسم كاريكاتيري على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك قد يكون ثمنها حياته.
ناهض حتر الكاتب والباحث الأردني تعرض لهجوم عنيف وحملة شرسة على خلفية هذا الكاريكاتير الذي وجد فيه خصومه –وهم كثر- فرصة لتحجيمه و”تأديبه”، إلا أن أحدهم ذهب أبعد من ذلك وقرر إصدار حكم الإعدام عليه، على الرغم من اعتقال الكاتب حتر وتحويله للمحاكمة، فكان قرار المجرم بقتله وهو على أعتاب “قصر العدل”.
الدكتور موفق محادين يرى أن حكاية الكاريكاتور والتحريض المبرمج ضده, هي آخر ما يمكن تناوله في حادثة الاغتيال، فجريمة اغتيال ناهض يتقاطع فيها الجانب السياسي والثقافي للكاتب والإعلامي أيضاً, معتبراً أن هذه الخيوط يجمعها ناظم مشترك هو التوقيت والرسالة التي حملتها الرصاصات التي أودت بحياته. ولا معنى ولا أهمية لأي خيط من هذه الخيوط بمعزل عن الآخر وعن التوقيت أيضاً.
ويلفت محادين إلى أن من هذه الخيوط, العلاقات التي نسجها حتر من خلال تجربته الإعلامية خارج الأردن مع أوساط في معسكر, سوريا, حزب الله وإيران، والصوت العالي لحتر ضد الكونفدرالية بشكلها الإسرائيلي الجديد, ودعوته لدسترة فك الارتباط, ومحاولة إحياء مراكز قوى قديمة ذات صلة بالدولة الأردنية العميقة (تيار وصفي التل).
ويؤكد الدكتور الباحث موفق محادين على أن بيت القصيد في تقاطع الخيوط المذكورة هو التوقيت لناحيتين, الأولى احتدام الاصطفاف بين المعسكر المذكور المدعوم من روسيا وبين المعسكر الآخر بكل تقاطعاته, من المعلم الأمريكي الأكبر إلى تل أبيب إلى بقية الأدوات المحلية والإقليمية المعروفة التابعة لهذا المعسكر, سواء كانت تكفيرية أو معتدلة مزعومة.
ويتفق المفكر الماركسي الدكتور هشام غصيب مع ما ذهب إليه محادين، ويرى أن هذا الاغتيال هو اغتيال سياسي بالدرجة الأولى وتم تغطيته دينياً. واعتبر غصيب أن الهدف الحقيقي هو سياسي والمستهدف هو حركة المقاومة وليس فقط في الأردن، إنما في كل المشرق العربي في مجابهة المشروع الصهيو إمبريالي الرجعي، هذا تصوري منذ البداية.
ورأى الدكتور هشام غصيب في حديثه لـ نداء الوطن أن ناهض حتر أصبح ظاهرة مقاومة وأخذ يؤدي دوراً ليس فقط أردنياً وإنما إقليمياً وكان انحيازه واضحاً للمقاومة ومحورها، والمرحلة القادمة وهي مرحلة خطيرة تستلزم تصفية أمثال ناهض حتر، وبالتأكيد أن هذا الاغتيال لم يكن حادثاً عرضياً ولم يكن حادثاً عفوياً ولا فردياً جرى التخطيط له، وجاء الاغتيال في سياق تخطيط في الواقع للبلد والمنطقة وله أهداف سياسية.
خطاب الكراهية: طارىء أم متأصل؟!
كشفت جريمة اغتيال الكاتب ناهض حتر حجم انتشار خطاب الكراهية في المجتمع الأردني. ويعتبر الدكتور موفق محادين الخبير الاستراتيجي في حديثه لـ نداء الوطن أن هذا الخطاب يتغذى من مصدرين: الأول موضوعي ناجم عن حالة الهبوط التي تمر بها حركة التحرر العربية, وعن تحلل دولة سايكس بيكو وما ينتجه هذا التحلل من (دود أيديولوجي) على شكل احتقانات طائفية موتورة مشبوهة مريضة.
الثاني, مبرمج في دوائر المخابرات الأمريكية والأطلسية والصهيونية والرجعية, التي تسعى لاستبدال دولة الحرس البيروقراطي القديم ودولة سايكس بيكو بأشكال من الكانتونات والهويات الطائفية والفرعية التناحرية.
ولفت محادين إلى أن الحملة على العلمانية وتغيير المناهج في خطاب الكراهية المذكور, ليست خاصة بالأردن بل هي حملة تطال المنطقة كلها ويجري تمويله من صناديق رجعية معروفة, وتتراوح بين صرف الانتباه وخلق خنادق متبادلة متكارهة متصادمة، وذلك عوضاً عن الصراع الحقيقي بين حركة التحرر العربية والمصالح الحقيقية للشعب العربي وبين المعسكر الأطلسي والصهيوني الرجعي.
ويكشف محادين أن المؤسسة الأمريكية التي تتولى الحديث عن تغيير ليبرالي للمناهج, هي ذاتها التي تتولى منذ عقود إنتاج إسلام خاص على إيقاع المصالح الأمريكية والصهيونية, وهي مؤسسة راند (RAND) التابعة للبنتاغون والتي تحتفظ بمركز إقليمي لها في الدوحة.
فيما يشير الدكتور والمفكر هشام غصيب إلى أن خطاب الكراهية غريب عن المجتمع الأردني الذي كنا نعهده سابقاً، فهو بهذا المعنى دخيل أي أنه جاء من خارج الأردن نحو الأردن، لكنه توطن واستفحل في المجتمع الأردني المفكك المذرّى، وهذا الواقع المفكك توطن فيه الفكر التكفيري واستشرى ومن الطبيعي أن يتم ذلك في بيئة رخوة كالبيئة الأردنية وطبعاً علينا أن لا ننسى دور المال النفطي في ذلك. وقد جاء هذا الخطاب في سياق المخططات الصهيو إمبريالية للمنطقة وهي ظاهرة صهيو إمبريالية وقد جرى التخطيط لها في المراكز الإمبريالية الكبرى.
ويشرح الدكتور غصيب سياقات ظاهرة خطاب الكراهية، حيث يضعها في خمسة نقاط وهي:
أولاً: هزيمة حركة التحرر الوطني العربية وإضعاف حركة المقاومة العربية.
ثانياً: سيطرة المال النفطي على مفاصل المجتمعات العربية.
ثالثاً: أزمة تطبيق النيوليبرالية في أقطار الوطن العربي وما صاحبه من تهميش لقطاعات واسعة من المواطنين.
رابعاً: أزمة الإمبريالية العالمية والإمبريالية الأمريكية حيث شعرت هذه الإمبريالية أن الأمور تفلت من بين يديها خصوصاً بعد إخفاقها في التدخل المباشر في أفغانستان والعراق الأمر الذي دفعها إلى اللجوء إلى هذا السيناريو الجديد في تحطيم الدول والهيمنة على ثروات الأمة من نفط وغاز وغيرهما.
خامساً: البيئة التعليمية والإعلامية والثقافية في الواقع أخذت تشكل أساساً لانجذاب أعداد من الشباب والشابات إلى هذا اللافكر العقيم، لكن المدمر.
الدولة الأردنية ومواجهة خطاب الكراهية
في ظل هذه الغلبة لخطاب الكراهية، والأزمات التي تعانيها الأمة، يؤكد الدكتور هشام غصيب أن الدولة الأردنية عليها أن لا تتوهم بأنها تستطيع بسهولة أن تتحكم بهذه القوى التكفيرية، توهمت في الماضي وما زالت تتوهم، أنها تسيطر على الوضع تماماً، هذا ما توهمته الدولة السورية، وندمت كثيراً على هذا الوهم، ولذلك على الدولة الأردنية أن تعيد النظر في علاقتها مع هذه القوى التكفيرية وأن تلجأ إلى أساليب عميقة في مجابهة هذه القوى وعليها أن لا تغفل الجوانب التعليمية والثقافية والإعلامية، وأن لا تقتصر على الجانب الأمني.
فيما يعتبر الدكتور موفق محادين أن ما هو مطلوب من الحكومة الأردنية في قضية الاغتيال السياسي والثقافي لحتر ووقف خطاب الكراهية, دونه عشرات المعطيات ومنها:
أن خطاب الكراهية, هو ذاته خطاب الإرهاب الذي ترعاه القوى الأطلسية والرجعية والصهيونية منذ عقود وهي القوى التي ترعى معاهدات واتفاقيات ما يسمى السلام مع (إسرائيل) وسبق ودشنت الإرهاب الأصولي والجهاد الأمريكي في أفغانستان وفي البلدان التي ابتليت بالربيع الإسلاموي, لافتاً إلى صعوبة تملص السلطة الأردنية بتركيبتها وعلاقاتها المعروفة من هذه الشبكة.
ويختم الدكتور موفق محادين بالتطرق إلى تعديلات المناهج المدرسية مؤكداً على أن المطلوب ليس وقف تدريس هذه المادة أو تلك أو استبدالها لصالح شذرات ليبرالية, بل إحداث ثورة تعليمية شاملة تعيد الاعتبار للعقل والهوية العربية معاً, ولكن هيهات.