مقالات

توقفوا عن مهاجمة الأحزاب.. فلا إصلاح بدونها  / جهاد المنسي

 

بلا شك؛ فإن نظرة قوى مؤثرة في الدولة للأحزاب بكل تلاوينها ما تزال متحفظة، والبعض يتعامل معها كمولود هجين يتوجب إبعاده عن كل مفاصل الدولة، ولذا نلحظ بين فينة وأخرى هجوما من هذا المسؤول السابق على الأحزاب، وتهكما من مسؤول آخر، فيما لم نشهد تشجيعا حقيقيا ومباشرا للأحزاب من قبل السلطة التنفيذية ولا مخططا شاملا من الدولة للنهوض بها، وما يزال الجميع يتعامل مع الأحزاب وأعضائها وكأنه تم استيرادهم من خارج الأردن، أو نبت شيطاني يتوجب التخلص منهم، وفي الحد الأدنى مراقبتهم بحذر.

الحقيقة الجلية أن نظرة الدولة للأحزاب لم تختلف إبان مرحلة الديمقراطية عنها في مرحلة الأحكام العرفية، وما يزال مسؤولون كثر يرون في الأحزاب ديكورات تزين صالة حديقة ديمقراطيتهم من دون منح تلك الأحزاب حق التواجد الفاعل والحقيقي من دون ضغوط ومحددات، وأولئك يرفضون فكرة تقديم تسهيلات للأحزاب لتعزيز وجودها، وفي هذا غبن لتجربتنا الديمقراطية ولأعضاء الأحزاب، وللدولة أيضا التي لا يمكن أن تسير بخطى ثابتة نحو الأمام من دون أن يكون للأحزاب وجود وحضور بكل المشهد السياسي.

نستطيع تلمس حجم نفور رجالات دولة من الأحزاب من خلال مجالسة بعضهم والاستماع لما يقولونه عنها، ومن فم أولئك نستطيع تلمس مدى قناعتهم بالتجربة الحزبية، ومدى انسجامهم مع خطاب الدولة القائل بتنمية الحياة الحزبية!، فبعض المسؤولين في مجالسهم الخاصة لا يؤمنون بأحزاب ولا حزبيين، ويتهكمون على العمل الحزبي بالطريقة ذاتها التي يتهكمون بها على أي فكرة جديدة تصب في اتجاه الإصلاح المنشود، وفي خلفيتهم ما تزال تحضر فكرة نبذ الأحزاب والتخلص منها.

أولئك في خلفيتهم الذهنية يريدون للدولة أن تبقى كما هي (مكانك سر)، لا يريدون لنا أن نسير في طريق الإصلاح، والدولة المدنية الحديثة، والتطوير والمساواة وسيادة القانون والعدالة، وإنما يريدون أن نبقى واقفين في الخط الرمادي بين العشائرية والدولة، ولذا تراهم يقاومون أي تفكير إصلاحي لأنهم يعرفون أن ذلك يجعلهم خلف ظهر الإصلاح وليس أمامه أو حتى في ركبه، ويضع حدا لهم ولسلطتهم، ولذا فإن مثل أولئك الذين ما يزالون للأسف حاضرين في المشهد العام  سيكونون أعداء لليبراليين، وأعداء للحزبيين، وأعداء لليسار والقوميين، وأعداء لليمينيين أيضا، فهم فقط متصالحون مع البيروقراطيين والمحافظين، فتراهم يقاومون التغيير مهما كان شكله ونوعه ومسماه.

قبل أن يتنطح لي البعض ليقول إن الأحزاب منذ 28 عاما أو أقل بقليل مسموح لها بالعمل العلني، ولكنها لم تستطع أن تقدم أي إنجاز ملموس، دعونا نقر بواقع نعرفه جميعا، أبرزه أن الدولة طوال تلك الفترة كانت تتعامل مع الأحزاب بالطريقة ذاتها التي كانت تتعامل فيها إبان السرية، ولكن بشكل مختلف معلب بـ”السلفان”، فهي لا تحرص على تطوير وتنمية العمل الحزبي، والدفع باتجاهه، وإنما تجتهد في وضع العراقيل والعقبات أمامها والمحددات ولا تسهم من خلال إعلامها ومناهجها في تعزيز نمو الحزبية وتشجيع الناس على الانضمام لها.

فلو فعلت الحكومات عبر السنين ذلك وآمنت قولا وفعلا بأنه لا ديمقراطية ولا إصلاح من دون حزبية، وصولا لمرحلة منح الأحزاب حق تشكيل الحكومات لتغير الوضع الحزبي ولشاهدنا إقبالا أكبر من الناس عليها.

جالست رجالات دولة كثرا، ومنهم مسؤولون سابقون ذهبوا باتجاه العمل الحزبي، ولكنهم بعد سنين خرجوا محبطين، والسبب وجود قناعة تولدت لديهم بأن هناك مقاومة رسمية خفية للعمل الحزبي، وأن ما يقال ورقيا وعبر الميكروفونات لا ينفذ على أرض الواقع.

ولمناسبة الكلام عن تعديلات على قانون الانتخاب، دعونا نثبت أننا نريد عملا حزبيا حقيقيا ونعمل على تأطيره ورعايته ودفعه للأمام، وهنا لا أجد غضاضة البتة بالدعوة لأن تمنح الأحزاب نسبة مقاعد معقولة وكبيرة وليست ضئيلة، وبذلك نضع اللبنة الأولى في مدماك عمل حزبي مستقبلي منظم من خلاله نستطيع الوصول للإصلاح الذي نريد وللدولة المدنية التي نتحدث عنها.

نقلا عن الغد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى