توظيف الخطر الإيراني المزعوم للتطبيع مع الكيان الصهيوني ! / عبدالله الجمل
العداء لإيران والشيعة لأسباب طائفية لا يمكن إنكاره، وهو قديم قدم الإسلام، ولكنه كان خفياً وبصمت، إلا إنه تفجر بشكل واضح وصريح ومبالغ به بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وإعلان حكومة الثورة بقيادة الخميني العداء السافر لأمريكا، وإسرائيل، حيث تم الإستيلاء على السفارة الأمريكية بطهران، واختطاف وحجز طاقمها لأكثر من عام، وطرد السفارة الإسرائيلية، وفتح السفارة الفلسطينية بدلاً عنها. يعني في الأيام الأولى من الثورة وضعت الحكومة الإسلامية الإيرانية نفسها في مواجهة دموية شرسة مع أمريكا وإسرائيل.
ففي عهد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يقوم بدور شرطي الحراسة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كانت العلاقة بين السعودية والدول الخليجية وحتى العراق زمن صدام حسين مع إيران علاقة ودية حميمة رغم أن الشاه كان شيعياً كما غالبية شعبه وفارسيا يعتز بفارسيته واحتقاره للعرب . كما ورحبت الدول الخليجية بمبادرة الشاه في إرسال قوات عسكرية للقضاء على ثورة ظفار الماركسية في عمان/مسقط وإعادة حكم الإمام البدر في اليمن ومواجهة جمال عبدالناصر هناك ، لم يخرجهم مفتي الديار المقدسة في مكة عبد العزيز آل الشيخ من الملّة ويكفرهم كما كفر بن باز جمال عبدالناصر !
ولكن ما أن تغير الموقف الإيراني بعد الثورة الإسلامية من صداقة لأمريكا وإسرائيل إلى عداء لهما، حتى وغيرت الدول العربية الخليجية مواقفها إلى عداء شرس لإيران.
وهذا يقودنا إلى استنتاج منطقي، وهو أن عداء الرجعية العربية لإيران هو ليس لأسباب طائفية، بل بسبب عداء إيران الإسلامية لأمريكا وإسرائيل، وأن الدول العربية الخليجية اعلنت عداءها لإيران بأوامر من أمريكا، فثمة خطة مبيتة لتدمير الطاقات البشرية والعسكرية والمادية للبلاد العربية وإيران صاغها المستشرق الصهيوني الأميركي برنارد لويس ، بعنوان حدود الدم وهدفت تقسيم المنطقة على أساسات طائفية ومذهبية نالت تأييد الكونغرس الأميركي بالإجماع عام 1983 ، لإبقاء إسرائيل القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. وهذا نشهده كواقع ملموس ومنظور يومياً .
ففي التفاصيل كان لافتا تصريح روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تحليل موقف الإدارة الأمريكية الجديدة على هذا المسار، أن ترامب عازم على الدفع باتجاه تشكيل تحالف أمريكي إسرائيلي سني.
ويقول إن “إسرائيل والحلفاء الإقليميين الأوفياء للولايات المتحدة بحاجة حقيقية لزعامة أمريكية تقودهم بعد حقبة من اللامبالاة بهم في عهد أوباما”.
المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي للشؤون الدولية في إيران حسين أمير عبداللهيان كشف في تصريحات ادلى بها لقناة الميادين يوم 20/2/2017 ، أن المملكة العربية السعودية كانت أبدت موافقتها على الحوار مع طهران حول ملفات المنطقة قبل أن تتراجع بعد إعلان ترامب عن التحالف الأميركي الإسرائيلي السني المزمع ، وعلى لسان وزير خارجيتها عادل الجبير في كلمة له أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ حمّل فيها مسؤولية رعاية الإرهاب لإيران ، بالتزامن مع شنّ وزير الأمن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان من على المنبر نفسه هجوماً عنيفاً على طهران.
إذن فالهدف الحقيقي من فكرة ترامب لحشد محور عربي إسرائيلي جديد، لا يتمثل في إعلان الحرب على إيران، وإنما يكمن في توظيف الخطر الإيراني المبالغ فيه للتطبيع العربي السني الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحلب ما تبقى من ثروات لدى دول الخليج العربي لتمويل مشاريع البنى التحتية الأمريكية التي وعد بها ضمن حملته الانتخابية.
إن الخشية من المشروع الإيراني في المنطقة يجب ألا تدفع نحو تجاهل مخاطر المشروع الأميركي الصهيوني الذي كان ولا يزال الأكثر تهديدا للحاضر والمستقبل في آن، فضلا عن دعمه لاحتلال فلسطين التي ينبغي أن تبقى قضية الأمة المركزية مهما انشغل العرب عنها وكنقطة انطلاق نحو إعادة إيران إلى حجمها الطبيعي كجارة للعرب، إلى جانب تركيا الركن الثالث في المنطقة.
إن عداء المشروع الأميركي الصهيوني لأمتنا هو عداء بنيوي لا مجال لتغييره بحال من الأحوال، بينما يمكن لعلاقتنا مع إيران أن تغدو علاقة جوار حسن ، فضلا عن تباين حجم الخطر بين المشروعين في حال استمر مسار الصدام.
أما المسألة الدينية فلا حل لها بغير الحوار الذي يمنع الاستفزاز، معطوفا على حرية الاعتقاد في منطقة قدرها أن تعيش التعددية العرقية والطائفية والمذهبية، من دون أن ننفي إمكانية حدوث تغيرات ما في منظومة المذاهب والأفكار لجهة اللقاء على كلمة سواء في يوم من الأيام.