تهويد التعليم مقدمة لتهويد القدس/ بقلم: محمد محفوظ جابر
بعد أن قام العدو الصهيوني باحتلال الجزء الشرقي من القدس عام 1967، قررت سلطات الاحتلال إلغاء البرامج التعليمية الأردنية التي كانت سائدة في القدس وإبدالها بالبرامج التعليمية المطبّقة في المدارس العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، هذا طبعاً بالنسبة للمدارس الرسمية الحكومية.
وعلى أثر ذلك، نفذ الطلاب والمدرسون إضراباًقاطعوا فيه التدريس معلنون مقاومتهم لتدريس المناهج الإسرائيلية، وقد صدرت البيانات الوطنية باسم المعلمين أحياناً وباسم الطلاب احياناً أخرى تطالب باستمرار الإضراب وعدم الاستجابة للنداءات التي تدعو إلى العودة إلى صفوف الدراسة، وتطالب البيانات أيضاً بعدم تغيير المناهج وتحذّر من تدخل العدو الصهيوني في صناعة مناهج التدريس في القدس لما لذلك من خطورة على وعي الطالب العربي المقدسي.
وقد اختارت أعداد كبيرة من الطلاب الدراسة في المدارس الخاصة ومدارس الوكالة والمدارس التابعة للأوقاف الإسلامية والأديرة المسيحية في خطوة متقدمة في مواجهة المناهج الإسرائيلية.
ولأن الصراع مستمر، فقد أصدرت سلطات الاحتلال قانوناً جديداً في عام 1969 حمل الرقم (5729) وشمل الإشراف الكامل على جميع المدارس بما فيها الأهلية الخاصة، وفرضت على جميع المدارس الحصول على تراخيص تجيز لها الاستمرار في التعليم وكذلك الإشراف على برامج التعليم ومصادر تمويلها، وفرضت التغيير على مادة التاريخ والدين والأدب العربي، فدخلت الأساطير التوراتية في الكتب الدينية كما أدخل “التاريخ العبري” في كتب التاريخ العربي، وتم إدخال القصص والروايات الإسرائيلية وإلغاء الشعر العربي المقاوم.
وهكذا تتالت القوانين والقرارات التربوية بالشطب أحياناً والإضافة أحياناً أخرى وبشكل تدريجي حتى تصل سلطات الاحتلال إلى هدفها بتهويد التعليم كجزء من عملية تهويد مدينة القدس تهويداً كاملاً.
وقد جاء جدار الفصل العنصري ليكون معرقلاً لوصول الطلاب إلى مدارسهم إضافة إلى الحواجز من الدوريات العسكرية والأمنية والتي يتعرض فيها الطلاب إلى تفتيش جسدي إضافة إلى تفتيش حقائبهم مع إهانات وإذلال لإكراههم على عدم الذهاب إلى صفوف الدراسة ضمن سياسة التجهيل التي يستخدمها الاحتلال وتعتبر نسبة التسرب من أعلى النسب في العالم وتصل إلى 50%.
وقد لعبت الحركة الطلابية دوراً كبيراً في مقاومة الاحتلال والتحق الطلاب بفصائل المقاومة الفلسطينية، وقدمت الشهداء والجرحى والأسرى وكانت الحركة الطلابية دائماً في مقدمة الهبات الجماهيرية، ولذلك فإن العدو الصهيوني يخشى من دورها وكثيراً ما يحاصر المدارس ويغلقها أحياناً فهي مراكز تجمع جماهيري فعال، وما نشهده اليوم من انتفاضة القدس فإن أغلب الذين يقومون بعمليات بطولية باستخدام السكاكين هم في سن الدراسة الثانوية بينما الأشبال من التلاميذ الصغار يستخدمون الحجارة لضرب الجنود والمستوطنين.
وفي خطوة متقدمة بعملية استكمال تهويد المناهج كشفت وسائل الإعلام مؤخراً عن مخطط وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بتقديم مبادرة تقوم على تقديم دعم مالي للمدارس الفلسطينية في القدس المحتلة عام 1967 بشرط أن تختار تدريس منهاج التعليم الإسرائيلي.
وأكد الوزير نفتالي بينيت في تصريح له لجريدة هآرتس أنه يطلب دعم وتعزيز كل مدرسة تختار المنهاج الإسرائيلي مؤكداً أنه يريد “مساعدة عملية الأسرلة”.
وتقترح الخطة زيادة في ساعات التعليم التي يمكن أن تحصل عليها المدارس وزيادة في ساعات برامج الاستشارات والموسيقى والفنون بالإضافة إلى برامج تدريب المعلمين.
إن هذا الابتزاز الواضح في سياسة الاحتلال تجاه المدارس العربية في القدس من خلال استخدام الدعم المالي وزيادة الميزانيات لإجبار المدارس على تدريس المنهاج الإسرائيلي هو وسيلة عنصرية للهيمنة على العملية التعليمية لإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية تمهيداً لتهويد القدس كاملة، مما يتطلب وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة هذه الخطة وإفشالها، ويتطلب أيضاً مد يد العون العربية لتوفير المال اللازم لاستمرار المدارس العربية في القدس في تثبيت الهوية الوطنية وليكن شعارنا التبرع للمدارس المقدسية لإنقاذها من التهويد، فلو تبرع كل طالب عربي بقرش واحد، سوف نجمع الملايين، ونعيد أيام التضامن العربي مع الجزائر التي نتغنى بثورتها المجيدة التي ضحّت بمليون شهيد ووقفت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج إلى جانبها.