مقالات

تكاثر حزبي عشية الانتخابات.. محاولة للفهم/ بقلم: ماجد توبة

توالد غريب ومثير للأحزاب السياسية يمكن رصده مؤخرا، وبصورة تفوق التوقعات وبما يشكل مفاجأة حقيقية للمتابع! وحسب المعلومات الرسمية فان 26 حزبا سياسيا (مشروعا) هي قيد التأسيس حاليا، وطلباتها رسميا موجودة في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية ولجنة الأحزاب، فيما ارتفع عدد الأحزاب المرخصة والقائمة في الاشهر القليلة الماضية الى 44 حزبا.

هذا الاستغراب لهذا التوالد والتكاثر الواسع واللافت للأحزاب السياسية ليس استهجانا او رفضا للعمل الحزبي او تزايد اعداد المواطنين المنتسبين للأحزاب، بل ان المطلوب لنتقدم هو تعزيز دور وحضور الأحزاب السياسية في حياتنا العامة والسياسية، والانتقال من دائرة الصلة القرابية والعشائرية والشخصية في العمل السياسي الى الدائرة الحزبية، العابرة للعشيرة والقرابة والمناطقية، وبما يعزز من مقومات الدولة المدنية ويوسع من إطار المشاركة بصناعة القرار السياسي

أعتقد ان تفسير هذه القضية وهذا التكاثر الحزبي في هذا الوقت مرتبط باقتراب استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، المتوقعة قبل نهاية العام الحالي، والتي ستجرى وفق قانون انتخاب جديد، خرج بنا أخيرا من قمقم “الصوت الواحد” ولعناته، واعتمد نظاما انتخابيا متقدما نسبيا، هو نظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، بحيث حصر الترشح للانتخابات بالقوائم وعبرها. ومن المعروف أن نظام القوائم الانتخابية يصب عادة في صالح الأحزاب السياسية او التحالفات الحزبية وفق أسس معينة، ما يفسر الى حد كبير تزايد الإقبال على تأسيس الأحزاب عشية الانتخابات النيابية المقبلة

ظاهرة شبيهة لهذا التكاثر الحزبي قبل موسم الانتخابات النيابية حصلت عشية الانتخابات السابقة، التي اعتمدت فيها القائمة الوطنية للانتخابات، بمقاعدها السبعة والعشرين، حيث تشكلت في أسابيع قليلة وبصورة مثيرة وغريبة حينها أكثر من 60 قائمة وطنية، لم يجمع الكثير منها رابط حزبي أو سياسي، ولم يتوفر للعديد منها أي حظ حقيقي بالفوز والظفر بمقعد واحد في الانتخابات. وبدا واضحا حينها أن هدف بعضها تشتيت أصوات الناخبين، وضرب فرص قوائم حقيقية وقوية نسبيا على الفوز بمقاعد عديدة وتشكيل كتل نيابية واسعة في المجلس النيابي. وضمن هذا السياق فشلت تجربة القوائم الوطنية في الانتخابات الماضية

لن نتهم بالسعي إلى الأمر ذاته من وراء هذا التكاثر اللافت حالياً للأحزاب عشية الانتخابات، فمثل هذا الاتهام بحاجة لأدلة وبراهين، لكن من حقنا أن نخشى ونحذر اليوم من محاولات البعض إعادة استنساخ تجربة القوائم الوطنية، وإسقاطها على التجربة المرتقبة لنظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة بالانتخابات المقبلة، عبر الزج بعشرات الأحزاب السياسية “الشكلية” او المصنعة، لغايات قد تكون الرغبة في تشتيت الأصوات والحد من قدرة الأحزاب والائتلافات الحزبية، الحقيقية أو القوية نسبيا، على حصد نسب معتبرة من المقاعد النيابية!
أيضا، فإن التكاثر الكبير للأحزاب السياسية لم يكن يوما ظاهرة صحية، حتى عندما لم يصل العدد للأحزاب الأردنية إلى نحو 30 أو 40 حزبا، فكيف عندما يصل العدد إلى نحو 70 حزبا (44 حزبا قائما و26 قيد التأسيس)؟. ومن الملاحظ بهذا السياق أن العديد من الأحزاب الجديدة تقوم على روابط قرابية ومعارف شخصية بين الأعضاء المؤسسين، ما يفرّغ الحزب من فكرته الأساسية، كتنظيم برامجي مدني عابر للهويات الفرعية والمناطقية

لا نريد أن نتسرع بالحكم على هذا التزايد المستغرب لأعداد الأحزاب، بدلا من أن تتجه الأحزاب المتقاربة فكريا وسياسيا للتوحد، أو على الأقل للائتلاف بائتلافات واسعة، لكن من حقنا أن نتساءل ونخشى من محاولات البعض لإعادة استنساخ تجارب سلبية عشية الانتخابات، رغبة في التحكم ببعض نتائجها ومساراتها!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى