تقرير “النقد الدولي” حول الاقتصاد الاردني يكشف فشل وصفات الصندوق العلاجية
أصدر المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريره السنوي حول الاقتصاد الأردني، وتوقعات صندوق النقد الدولي IMF لمستقبل الوضع الاقتصادي على المدى المتوسط.
وتعكس تقارير الصندوق في السنوات الماضية، والتي كان يشيد من خلالها بتحسن الوضع الاقتصادي، والتأثيرات الإيجابية لبرامج التصحيح الاقتصادي والمالي التي نفذتها الحكومات الأردنية المتعاقبة. فإن التقرير المالي، ومن وجهة نظر غالبية المحللين الاقتصاديين، جاء مرتبكاً وغير متوازن وفيه الكثير من التناقضات، وغلب عليه مزيج من التشاؤم والتفاؤل.
فقد توقع التقرير تحسن النمو الاقتصادي في الاردن ليصل إلى (3%) العام الحالي (2016)، لكنه اشترط عدم التدهور الأمني في المنطقة، مشيراً إلى تراجع معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي (2015) إلى (2.4%)، وتعد هذه النسبة أبطىء وتيرة نمو منذ عام (2011)، مع العلم أن الوضع الأمني في المنطقة لم يطرأ عليه أي تغيير.
وقد عزا التقرير اشتداد أزمة البطالة إلى هذا التراجع في معدلات النمو، إذ بلغت معدلات البطالة في حزيران الماضي (14.6%) مقارنة مع (12.9%) خلال الربع الأول من العام (2015).
واعترف التقرير بأنه قد حدث انكماش في الاقتصاد الأردني عام (2015) نتيجة تراجع أسعار النفط، وضعف اليورو، وفجوة الإنتاج السلبي، مشيراً في الوقت نفسه إلى استمرار السياسة النقدية في التوسع، وهذا يخالف معظم آراء المحللين الذين رأوا في انخفاض أسعار النفط فائدة كبرى للدول المستهلكة، لأن من شأن ذلك أن يخفف الضغوط على الموازنة ويزيد من اعتمادات الإنفاق الرأسمالي.
وتناول التقرير موضوع الاحتياطي من النقد الأجنبي مشيراً إلى أنه ارتفع ليصل إلى (14.2) مليار دولار امريكي (ما يكفي 7.5 شهر من الواردات/ بنهاية 2015) مع العلم أن هناك تراجعاً في واردات السياحة وتحويلات المغتربين.
وفي نفس المجال، أشار التقرير إلى انخفاض عجز المالية العامة العام الماضي (2015)، بفعل تقليص النفقات (لم يشر إلى أية نفقات، الحكومية، أم العامة)، وتقليص النفقات الحكومية حتماً سيكون على حساب التعليم والصحة، والخدمات الأساسية. والسبب الثاني في انخفاض عجز المالية العامة في رأي التقرير هو انخفاض التحويلات من الميزانية العامة لشركة الكهرباء الوطنية، لكنه لم يشر إلى أن شركة الكهرباء ستلجأ إلى البنوك المحلية لتغطية العجز فيها، وهذا بالطبع سيكون إضافة إلى الديون المتراكمة على الشركة، وبالتالي الدين العام لأن الديون مكفولة من الحكومة، مضيفاً أن هذه الخطوة أتاحت تخفيف أعباء المالية العامة بنسبة (7%) من إجمالي الناتج المحلي ولولاها يضيف التقرير لاتّسع عجز الموازنة العامة.
وتحدث التقرير حول الدين العام وعزا ذلك إلى تراجع نمو الناتج المحلي الذي أسهم في صعود المديونية لتشكل نسبة (93%) من الناتج المحلي الاجمالي العام المنصرم (2015).
وتوقع التقرير أن يكون عجز الحساب الجاري قد زاد عام (2015) بسبب انخفاض التحويلات من المالية العامة، وهبوط عائدات السياحة (7.1%) وذلك بالرغم من هبوط عجز الميزان التجاري، وانخفاض عجز ميزان التجارة السلعية (14%) بفعل هبوط في واردات الطاقة.
وتطرق التقرير إلى استمرار ضعف أسعار النفط واعتبر ذلك واحداً من المخاطر هذا العام وفي
الأمد المتوسط بالنظر إلى تحويلات المغتربين والصادرات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذلك المنح من دول مجلس التعاون، وفي هذا يظهر تضارب فاضح، لأن تراجع أسعار النفط يسهم في تقليل كلف الإنتاج، وكما يخفض الضغط على الموازنة مما يحدث توازناً إزاء التحويلات والمنح.
إن تقرير صندوق النقد الدولي لم يفاجئ المطلعين على علاقات الاردن وغيره من الدول التي تشترك معه في برامج التصحيح ولعل (27) عاماً من اعتماد الأردن على وصفات الصندوق خير دليل على ذلك، إذ أن العلاقة خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة أنتجت تراكماً مخيفاً في عجز الموازنة، وتضخماً مرعباً في المديونية العامة، وازدياداً مستمراً في معدلات البطالة والفقر، وتراجع معدلات مستوى المعيشة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولا يزال الأردن بعد كل هذه المدة يقترض من الصندوق الدولي حتى فاقت نسبة المديونية الـ (93%) من الناتج الاجمالي باعتراف تقرير الصندوق.
والحقيقة لم يعد أحد يصدق صندوق النقد الدولي، أو يعول على تقاريره، وعلينا فقط أن نطلع على سياسة الصندوق الحقيقة، وليس الأبواق المرتبطة به، ويكفي أن نعرف أن من أهم اشتراطات الصندوق لكل بلد يرغب في الحصول على قرض منه أو من البنك الدولي:
1_ فتح أسواقه المالية ومصارفه أمام رأس المال الاجنبي.
2_ تخفيض أكبر عدد ممكن من المصانع والشركات الحكومية.
3_ تحرير سوقه السلعية من كل العوائق المقيدة للاستيراد والتصدير.
4_ تخفيض الإنفاق الحكومي (المخصص للرعاية الصحية، والتعليم، ودعم المواد الغذائية، وسلع الوقود الضرورية للفئات المسحوقة أو المخصصة لدعم صغار المزارعين واصحاب المشاريع الصغيرة).
إن كبار الخبراء الاقتصاديين في الدول الغربية من الحياديين، وممن يتوفر لديهم ضمائر حية، يعرفون حقيقة سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين، فهي سياسات تضخمية في المقام الأول وانكماشية في الوقت نفسه وتؤدي إلى مصيدة التضخم الركودي حسب أحد الخبراءStag Flation.
فهي تدفع الأسعار نحو الارتفاع، وفي نفس الوقت تكبح عجلات النمو الاقتصادي، وتزيد من مشكلة البطالة، وتترك الحبل على الغارب لقوى السوق الاحتكارية لتحديد الاسعار بعد رفع الدولة يدها عن الرقابة على الأسواق أو التدخل في آليات العرض والطلب. وهذا ما نشهده في إصرار الصندوق على إلغاء الدعم للسلع والخدمات والتي أنتجت كما لمسنا وعانينا من التضخم وارتفاع الاسعار.
يقول جوزيف ستيغليس، إن الهدف من مليارات الدولارات التي يقدمها IMF هو دعم لسعر الصرف لفترة قصيرة وتمكينه من المحافظة على مستوى لا يمكن المحافظة عليه في الأمد الطويل، وفي هذه الاثناء سيكون في وسع الأجانب والأغنياء أن يهربوا بأموالهم مستخدمين أسواق المال التي جرى تحريرها من القيود الحكومية، وبهذا النحو تتحول عملياً ديون القطاع الخاص إلى ديون حكومية.
إذن من الطبيعي ان يمتدح صندوق النقد برامجه التصحيحية، وينشر الاوهام على الشعوب، لأنه بعكس ذلك يكون قد دعا إلى فك العلاقة مع الدول المدينة والفاشلة.
لكن ثمة ملاحظة مهمة لا بد منها، وهي أن الدول التابعة والأنظمة الفاسدة هي الوحيدة التي ستبقى، رهينة الارتباط بصندوق النقد، وتتلقى الصدمات وتعيش أبد الدهر في الأزمات، لكن هناك دول تقترض من الصندوق والبنك الدوليين لكنها توظف هذه القروض في مجالات التنمية وتحسين ظروف المعيشة لسكانها وتحد من أزمة المديونية، وعندما يتحقق لها ذلك، تفك علاقتها بهذين الصندوقين الاستعماريين.