تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان (والحقيقة الغائبة)/عماد ياسين المالحي
جاء تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان باهتا، لم يعكس الواقع السياسي والاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد.
واي مراقب عن بعد يقرأ التقرير يشعر باننا في حالة ارتقاء في الحريات العامة والديمقراطية، وانها تسير للامام.
لقد أشر التقرير الى بعض القضايا المهمة والاساسية دون ابداء وجهة نظرفيها، او تقديم ارقام ومعطيات يمكن القياس عليها واكتفى التقرير بالعموميات ومن على قاعدة رفع العتب.
فعندما يتحدث التقرير ان السمة الابرز لعام2018 تمثلت في (كثافة الاحتجاجات السلمية بسب تفاقم الفساد وتواضع جهود مكافحته، وتراجع الحقوق الاقتصادية وتعثر مسيرة الاصلاح السياسي)، هذا كلام عام ولايعني شيئا اذا لم تؤشر اين مكامن الخلل، هل هي بالبرلمان الفاقد للشرعية الشعبية،والذي تنازل عن دوره في الرقابة، ويخضع لرؤية امنية في التشريع؟
ام ان هناك اسباب اخرى تمنع المركز الوطني من الحديث بها.
بكل المعايير كان من المفيد لو تطرق للتقرير ان الفساد تجاوز موضوع الافراد واخذ بعدا افقيا، وبات مؤسسة بكل ما للكلمة من معنى.
وبطريقة التضليل التي تمارسها الحكومة. وبعيدا عن المهنية والموضوعية،تحدث التقرير التقرير على ان عدد اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء، بلغ (125513)وان هناك(35000) طالب التحقوا بالمدارس في 2018_2019كما ان وزارة العمل منحت (94074)تصريح عمل للسوريين.
لكن مالم يقله هو عدد السوريين المقيمين على الاراضي الاردنية، وهل الارقام الرسمية التي كانت تتحدث عن مليون ونصف المليون سوري، موجدين في الاردن.
والاهم هو الذي لم يتم الاشارة له عدد االسوريين العائدين لبلدهم.وهل هناك اعاقات تمنع الراغبين من العودة الى ديارهم، بدل هذه الارقام المبنية على قاعدة (لاتقربوا الصلاة).
العنوان الاهم ، الذي لامسه التقرير وبخجل وربما بحسابات ضيقة، (الحريات العامة).
التقرير وصف الحالة بان هناك تراجعا في عدد الموقوفين إداريا مابين 2017 و2018 من (37،683) الى(34،795)
ولم يبدي المركز وجهة نظر بان هذا العدد حسب رأيهم تراجع، (الا انه ما زال كبيرا) ، ولم يتطرق التقرير لصلاحيات “الحكام الاداريين” الذين ينطبق عليهم مسمى (الحاكم بأمره) . هذا عدا عن الكفالات المالية التي يفرضها الحاكم الاداري على المواطنين، والتي تصل الى ارقام فلكية يصل رسوم بعضها الى 1000دينار واكثر،وهي عملية ابتزاز وجباية لفقراء شعبنا، عداك ان البعض يتم الحكم عليهم من قبل الحاكم الاداري بالتوقيع في المراكز الامنية، صباحا ومساء، بمعنى ان هناك حالة منهجية، مبنية على قطع الارزاق العديد منهم ان لم يكن جميعهم.
والسؤال الذي كان على المركز ان يجيب عليه، هل يجوز محاكمة الشخص مرتين؟ وهل يحق للحاكم الاداري، كاداة للسلطة التنفيذية، ان يتجاوز على سلطة اخرى حسب الدستور سلطة مستقلة(القضاء)؟
وقلل التقرير من اهمية حالات التعذيب التي تجري داخل مراكز التوقيف او للمحكومين، وذلك بان عدد الذين تقدموا بشكوى للمركز بلغ(107).
لكن اليس من الاجدى السؤال، كم عدد الاشخاص الذين يمارس بحقهم انتهاكات ولا يجرؤا هم او ذويهم بالتقدم بشكوى للمركز الوطني، لانه اصلا المركز ليس حاضرا ولا فاعلا في الدفاع عن حقوق الافراد اوالجماعات.
هذا عدا ان نسبة عالية لا يعرفون حقوقهم، وكثير منهم لايعرف الجهة التي يمكن اللجوء اليها في حال تعرضه لمظلومية.
قد تكون الاشارة الاهم في التقرير، “وإن جاءت في سياق جملة”لكنها باعتقادي انها اشرت على مكمن المشكلة، والتي تقول
(ان غياب التوافق الوطني يؤدي الى هشاشة اللحمة الوطنية واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع وبروز التوجهات السلبية بين المواطنين)وهذا كلام مهم لان هناك من عمل خلال السنوات وبمنهجية على تهشيم المؤسسات الدستورية.
تقديري ان المركز الوطني لحقوق الانسان، تراجع دوره كثيرا في السنوات الماضية. وان قطاعات جماهيرية واسعة يمارس ضدها يوميا انتهاكات وعلى كل المستويات، سياسية واقتصادية واجتماعية، ومن قبل السلطة التنفيذية واجهزتها، لم نسمع ان للمركز راي فيها حتى لو لم يكن المتضرر قد لجا لهم.
ومن المفيد القول ان بداية عمل المركز كان يحظى بثقة اكبر بكثير مما هو عليه اليوم، ومؤسف القول ان هناك قطاعات واسعة لم تعد تثق بدوره وفعله،وهذا يتطلب من المركز العمل لاعادة الاعتبار لدوره ولهذه المؤسسة، وذلك من خلال فضح كل السلوك والممارسات العرفية التي يمارسها اصحاب المصالح الضيقة.
كما انني اكاد اجزم بان المركز الوطني لحقوق الانسان يعلم تماما ان حجم الانتهاكات اكبر بكثير من ارقامه المتواضعة.
وان الازمة الحقيقية تكمن بالقوانين الناظمة وبالتعسف باستخدام السلطة، وبانه رغم انتهاء الاحكام العرفية، الا ان المجالس النيابية المزورة والمدجنة،وضعت قوانين اكثر عرفية مما كانت عليه ايام الاحكام العرفية.
وليسمح لي د. موسى بريزات، وهو الذي غادر المركز مؤخرا نتيجة لانتهاكات السلطة والاجهزة للمركز ولدوره، بان ما كان مطلوب منه فضح الممارسات العرفية بحق اشخاص سلميين لجؤا للمركز الوطني،للشكوى على على بطش السلطة،وان يقول لنا لماذا اقيل بهذه الطريقة التي اقيل بها!!!
واخير ان التقرير لم يتطرق للاعتقالات السياسية، التي تمت العام الماضي ومن المفيد لفت نظر المركز الوطني باننا كاعضاء حزبيين مازلنا نسائل عن انتماؤنا السياسي، ويتم التضييق على عضويتنا في الجامعات، ولا يسمح لنا بدخول النقابات العمالية المسيطر عليها امنيا، وان هناك تعنت حكومي في موضوع حرية التنظيم النقابي، هذا عدا عن استدعاء عضويتنا بشكل دائم للتحقيق معهم من قبل الاجهزة.
اخير مؤسف القول بان المركز الوطني لحقوق الانسان بتركيبته الجديدة لا نرى له افقاوالخشية ان يصبح بوقا للدفاع عن السلطة وممارساتها.