“تقدم المجتمع يقاس بتقدم النساء ” … ليس ترفاً فكرياً
ليس شعارا ما نردده، واقع المرأة أينما وجد ونشاطها هو معيار ومقياس وعي البيئة الموجودة فيها، تحييد المرأة التي تعد المكون الأساسي للمجتمع واضعافها في المجتمعات الذكورية يعيق تطور المجتمع وبناءة بكافة المجالات ومن أهم هذه المجالات الحياة السياسية والحزبية التي تهتم بالمرأة كمّاً دون الاهتمام بتحقيق ذاتها فعليا.وصول المرأة المحدود الى المراكز القيادية الأولى في بعض الأحزاب الأردنية كما الفخ الذي يوحي بأن هناك تقدما أو تطور يحمل في طيه ضعف بُنية قطاع المرأة الحقيقي في صلب عضوية الأحزاب بمختلف أيديولوجياتها وفكرها. فما زال وجود المرأة لا يتجاوز الشعارات والصورة الإحتفائية التي تخلو من البرامج الحقيقية الداعمة للمرأة في نضالها لتغيير القوانين الناظمة لعملها السياسي والنقابي والإنتاجي، خاصة في ظل التهميش المجتمعي المتعمد للمرأة ومحاربة استقلالها المالي الذي يعد الرافعة الحقيقية لتحقيق ذاتها.
المفارقة بأن الأردن يتميز بارتفاع نسبة تعلّم النساء بالمقارنة مع الذكور، حيث سجلت نسبة التحاق الاناث في الجامعات الاردنية 51.6% مقابل 48.4% للذكور في عام 2016 بحسب احصاءات وزارة التربية والتعليم، يغيب ظلال هذا التقدم الأكاديمي للمرأة عن كافة قطاعات الحياة ومن ضمنها العمل السياسي والحزبي فنجد أنه وبحسب احصائيات هناك 15 حزب سياسي تقل فيها نسبة النساء عن 10% اللازمة قانونا، وتزيد النسبة عن 25% في 17 حزب آخر.. إلا أن البارز هو غياب برامج تطوير المرأة عن غالبية الأحزاب الأردنية، ليس هذا فحسب بل هناك تغييب لقطاع المرأة – بغض النظر عن اسمه- في العديد من الأحزاب الوسطية والاسلامية.
وفي مفارقة أخرى فإن قضية المرأة في الأحزاب اليسارية التي تعتبرها مكوّن أساسي في مشروع شامل يقرأ نضالها ضمن منظومة الاضطهاد المركب الطبقي الذي يعاني المجتمع منه ومشروع انتصارها سيتحقق بالضرورة عند تحرر المجتمع من تبعات النظام الرأسمالي المستغل، إلا أنه يتبنى بالغالب فصل قطاع المرأة بحجة اتاحة الفرصة للنساء للعمل ضمن ظروفهن المتاحة وتسهيل حركتهن في المجتمع، إنما في ظل المجتمع الذكوري القائم فإن هذا الفصل يخلق فجوة حقيقية بين المرأة ورفيقها داخل منظومة الحزب نفسه لبعده عن مكوّنات نضالها وبالتالي ضعف المشاركة في توفير الدعم الحقيقي لنضالها، ومن هنا نجد أن السمة العامة هي القصور وغياب البرامج التي تحدث خلل بنيوي في الأحزاب اليسارية.
رأت بعض الحركات النسوية أن قضايا نضال المرأة لا يمكن تأجيلها في حال من الأحوال، بل أنها ضرورة ملحّة التحقيق لرؤيتها بأن ربط نضال المرأة بتحرر المجتمع يساهم بتهميش قضيتها لحساب الصراع «الطبقي» الأشمل، فدأبت على العمل ضمن الاتحادات النسوية والجمعيات التي تبنت نضال المرأة وكأنه قضايا مطلبية فصّلتها ما بين القانوني ،التوعوي الارشادي والاقتصادي. فاتسمت بعض منها بأحادية النظرة والفصل الجندري.
لاشك أن انجازات الحركة النسوية «الفيمنست» الجزئية تشكل لبنة هامة لتحرر المرأة، ولكنها تختلف من مكان الى آخر بحسب سيطرة ورؤية النظام الاقتصادي القائم فتظهر وكأنها هبات فاقدة للجوهر الذي يخدم بشكل أو بأخر النظام الطبقي الحاكم.
لا شك أن التزام الأردن ببعض المعاهدات الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة رغم ايجابيته إلا أن تنفيذه محدود وانعكاسه على تحسين واقع المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية مازال غير ظاهر.
رؤيتنا ضمن المنظومة الاشتراكية بأنه لا طريق سوى بدمج النساء في العمل السياسي ومراكز صنع القرار وعجلة الانتاج لخلق مساحات آمنة تسمح بالعمل وتفكيك القضايا الثانوية مثل العنف والتحرش و ظلم رب العمل…الخ ، لحين تحقيق النهوض الشامل في المجتمع.